كي لا ننسى … اعرف وطنك.
ما زالت الأمم المتحدة تعترف بحقوق أهل فلسطين لأن الفلسطينيين متمسكون بهذا الحق المقدس ، لكن أين التطبيق ؟!
من قرانا الفلسطينية المدمرة : أم الشوف قضاء حيفا ـ إحدى قرى بلاد الروحة
إعداد الباحث عباس نمر
عضو اتحاد المؤرخين العرب
المقدمة
التاريخ لا يعرف صراعا منذ القدم كما هو الصراع على فلسطين ، لأن فلسطين بعمقها التاريخي هي الأرض المباركة أرض الأنبياء ومهبط الرسالات التي قامت من أجل البشر مع سلامهم المادي والروحي .
وبدأ الواقع الصعب للأرض المباركة منذ الإحتلال البريطاني في نهاية عام 1917م لهذا كانت بدايات القرن الماضي مأساة ... وعد بلفور .. الإحتلال البريطاني الذي حول نفسه إلى انتداب ليمهد الطريق لقيام دولة إسرائيل وجاء عام النكبة 1948م وما رافقه من مجازر وتهجير وطرد لأهل فلسطين على طريقة التطهير العرقي أمام ومرأى ومسمع العالم كله وأقيمت دولة إسرائيل ، حيث طرد اليهود (263) قرية وخربة ومزرعة قبل إنتهاء الانتداب البريطاني أي قبل قيام دولة إسرائيل في 15/5/1948م وهُجر بعد 15/5/1948م أكثر من (400) قرية ومدينة وخربة وهناك قرى هجرت عام 1949م وعام 1950م وظل أهالي منطقة السبع والنقب عرضة لعمليات الطرد حتى عام 1962م عندما أرغمت عشيرة الهواشلة على الرحيل حيث تم وضع (750) شخصاً في شاحنات وطردوا إلى سيناء ودمرت بيوتهم وصودرت أملاكهم التي تزيد عن (800) دونم ووصل عدد المدن والقرى والخرب وعشاير السبع الفلسطينية التي هجرت إثر النكبة إلى (675) وذلك حسب موسوعات المؤرخ القدير الدكتور سلمان أبو سته وكلها موثوقة وموجودة وآخرها مجلد (فلسطين الحقوق لا تزول) وهنا أبعث رسالة وتحية شكر وتقدير وعرفان للعلامة أبو سته مع الخال العزيز وجيه عمار في لندن حيث أتصلت أبنة أخي الدكتورة إسراء محمد نمر حمدان والخال وجيه عمار للإستفسار عن صحتي والحمد لله وللعلاقة الطيبة بين الدكتور أبو سته والخال وجيه قائلاً إن موسوعات أبو سته هي من الدرر الثمينة والنفيسة من أجل قضية فلسطين والمتصفح لمجلداتكم وأطالسكم يشعر بنشوة ومتعة الوصال الحقيقي مع الأرض المباركة .
واليوم في هذه الحلقة المتواضعة تحدثكم قرية أم الشوف إحدى قرى بلاد الروحة قضاء حيفا عن نفسها صانعة مما قطفناه من الرواية الشفوية والمكتوبة ومن الوثائق العثمانية ووثائق المحكمة الشرعية والوثائق البريطانية والفلسطينية والموسوعات والمراجع الفلسطينية مثل موسوعة بلادنا فلسطين للمرحوم المؤرخ مصطفى مراد لدباغ ومجلدات المؤرخ الدكتور سلمان أبو سته ومجلد الدكتور وليد الخالدي (كي لا ننسى) وموسوعة حيفا الكرملية حيفا وقضاؤها للمؤرخ علي حسن البواب وكتاب شجرة الزيتون للمرحوم المؤرخ علي نصوح الطاهر بالإضافة إلى الأستاذ عليان الهندي الخبير في الشؤون الإسرائيلية الذي قام بترجمة الوثائق العبرية عن قرية أم الشوف إلى اللغة العربية وشكري إلى ابن قرية أم الشوف السيد سليم جميل صباح (أبو جميل) الذي بارك الجهد الذي نقوم فيه .
ولا شيء أخطر على الإنسان من أن يكون جاهلاً بالتاريخ ونحن أبناء هذا الوطن ، وهذه أم الشوف تحدثكم عن نفسها :
التسمية
يقول بعض أهالي القرية من كبار السن أنه أطلق هذا الاسم أم الشوف على القرية لأنها في موقع ظاهر في المنطقة ويشاهد منه السهول التي حولها فأطلق عليها اسم أم الشوف أي بمعنى أم النظر وأم الإشراف على المناطق التي حولها .
الموقع
تقع قرية أم الشوف في الجنوب الشرقي من قضاء حيفا وهي على بعد (30) كيلومتراً من مدينة حيفا وترتفع عن سطح البحر بمعدل (125) متراً وهي رابضة في المنطقة الجنوبية الخفيفة الإنحدار من وادي المراح وهي إحدى قرى بلاد الروحة جنوب قضاء حيفا.
وللقرية عدة طرق برية تصلها بالقرى المجاورة والطرق الرئيسية الواصلة إلى حيفا عن طريق مرج بن عامر والثانية طريق الساحل إلى حيفا بالإضافة إلى طريق أم الشوف قنير الواصلة إلى جنين .
المساحة والحدود
بلغت مساحة أراضي قرية أم الشوف في عام 1945م (7426) دونماً ولا يملك اليهود فيها شبراً من الأرض .
ويحد أم الشوف من الشمال قرية صبارين ومن الغرب قرية السنديانة ومن الجنوب قرية قنير ومن الجنوب الشرقي قرية عارة ومن الشرق قرية خبيزة .
عدد السكان والبيوت المعمورة
قدر عدد بيوت أم الشوف عام 1886م (75) بيتاً وعدد النفوس (375) نسمة وأما عام 1922م وصل عدد السكان إلى (252) نسمة ، وعام 1931م كانوا (325) نسمة منهم (159) ذكراً و(166) أنثى ولهم (73) بيتاً وعام 1945م قدروا بـ (480) نسمة وكلهم من المسلمين أما عام النكبة 1948م فكانوا (557) نسمة ولهم (125) بيتاً معموراً ، ومجموع أهالي أم الشوف المسجلون في وكالة الغوث عام 2008م (4623) نسمة .
الحمايل والعائلات
صباح ، صبح ، شناعة ، أبو جنزير ، الياسين ، سمور ، أبو زور ، السالم ، الصباع ، العموري ، بشر ، عبد الفتاح ، قدح ، قاسم ، إسماعيل ، المصري ، الطيار ، اعمر عبد الله ، العواطلي الرفاعي ، ونعتذر عن العائلات التي لم نذكرها لأن هذا ما توصلنا إليه .
المختار
كان في أم الشوف منذ بداية المخترة في نهاية العهد العثماني مختاران مختار أول ومختار ثان ، ولقد تسلم المخترة عدد من شخصيات القرية وكانت مهمة المختار في أم الشوف لها اعتبارها واحترامها وتقديرها وهيبتها وكانت مهام المختار كثيرة منها الرسمية والشعبية بالإضافة إلى الاصلاح بين الناس وتسجيل المواليد والوفيات وكان بيته مجمعاً وملتقى رجالات أم الشوف ومن مخاتير القرية في العهد العثماني :
1ـ الشيخ صادق بن الحاج محمد الصباح وذلك عام 1888م .
2ـ الشيخ مصطفى شناعة وذلك عام 1888م .
3ـ الشيخ محمود بن عبد الله وذلك عام 1893م .
ومن مخاتير القرية في فترة الانتداب البريطاني :
1ـ المختار مصطفى المسعود .
2ـ المختار أحمد سليمان شناعة .
المدرسة
لم يؤسس في قرية أم الشوف مدرسة على الرغم من انتشار التعليم الإبتدائي في أم الشوف والقرى المجاورة وفي العام الدراسي 1893م/1894م وصل عدد الطلاب في أم الشوف (15) طالب لكن في فترة الانتداب البريطاني لم تنقطع المدارس الخاصة (الكُتاب) عن التعليم ومن مشايخ الكُتاب :
1ـ الشيخ على المصري .
2ـ الشيخ صالح عبد القادر من قرية قنير .
3ـ الشيخ أحمد سعيد سمور .
وقبل عام النكبة كان أكثر من (50%) من الرجال يلمون بالقراءة والكتابة .
جامع أم الشوف
يوجد في أم الشوف جامع كانت تقام فيه صلاة الجمعة والجماعة والعيدين تقدر مساحته بـ (110) أمتار وله ساحة خارجية وله مئذنة صغيرة ومن أئمة الجامع في أم الشوف غانم الخطيب وذلك عام 1892م ، وفي فترة الانتداب البريطاني كان الشيخ على المصري والشيخ أحمد سعيد سمور والشيخ أحمد الحاج محمد وهم يقومون بواجب الإمامة والآذان حسبة لله .
المقامات
يوجد في قرية أم الشوف أكثر من مقام أهمها :
1ـ مقام ولي الله محمد المجاهد .
2ـ مقام ولي الله الشيخ محمد العواطلة وهو عبارة عن غرفة ولها قبة داخل مقبرة القرية وأمام المقام ساحة .
قرى بلاد الروحة في حيفا
من قرى بلاد الروحة والتي تقع في المنطقة الجنوبية من قضاء حيفا : أم الشوف ، أم العلق ، أم الدفوف ، أبو زريق ، أبو شوشة ، البطيمات ، البويشات ، خبيزة ، السنديانة ، البيار ، البرج ، بريكه ، الجعارة ، الدالية ، المنسي ، البياضة ، مصمص ، معاوية ، الكفرين ، اللجون ، قنير ، قيره ، قامون ، كفر قرع ، الغبيات ، النغنغية ، الشونة ، عارة ، الصفصافة ، صبارين ، الزرغانية ، الريحانية .
الحياة الاقتصادية
كغيرها من القرى الفلسطينية كانت أم الشوف خصبة بمزروعاتها وأحتلت الزراعة المرتبة الأولى في قائمة إقتصاديات القرية خصوصاً وفرة المياه في أم الشوف ثم تربية المواشي وعمل عدد من أبناء أم الشوف في الوظائف .
الثروة الزراعية
أتسمت الزراعة في قرية أم الشوف بالتركيز على الزراعة البعلية ثم المروية والزراعة البعلية أهمها الحبوب والقطاني ويأتي في مقدمتها القمح والحمص والكرسنه ... إلخ وهذه الزراعة الشتوية أم الزراعة الصيفية أهمها الذرة والسمسم وكثرت في القرية زراعة مقاثي البندورة والخيار والفقوس والكوسا واليقطيني بالإضافة إلى حواكير البصل والثوم واشتهرت القرية بزراعة البساتين المروية واشتهرت بالسلك والسبانخ والخس والفجل والبقدونس والملفوف والفلفل وأم الشوف كرومها كثيرة مثل اللوزيات والتين والعنب والتفاح وزرع في القرية الصبر والزيتون والتوت والجوز وكانت تسوق منتوجاتهم إلى أسواق حيفا .
الثروة الحيوانية
تعتبر الثروة الحيوانية ركناً ثانياً من اقتصاد القرية خصوصاً الأغنام والأبقار والجمال والحمير والبغال والخيل الأصيلة ولا يخلو بيت في القرية حتى عام النكبة إلا وفيه عدد من الأبقار والبغال والخيل والحمير حيث أعتمد عليها السكان في تيسير أمور حياتهم اليومية مثل الحراثة والدراسة والنقل وكان في القرية عدد من عربات البغال أو الخيل استعملت كوسائط للنقل والتحميل عليها ، أما الأغنام والأبقار كان معظم العائلات في القرية يقتنونها وينتفعون من حليبها في انتاج (اللبن والجبن والسمنة والزبدة) والأغنام أيضاً كانت تتم الإستفادة من حليبها ولحومها وصوفها وعدد من بيوت القرية كانت تربي في بياراتها الأرانب .
تربية الدواجن
تعتبر الثروة الحيوانية ركناً من اقتصاد القرية لكن بعد الاهتمام بالبساتين المروية خفت تربية الأغنام ، وتربية الدواجن حيث لا يخلو بيت في القرية إلا وبه الدجاج و الحمام .
الدكاكين
كان فيها حلاقان ولحام وأربعة دكاكين وهي ملك أحمد الزير وأحمد القدح وعبد اللطيف الأسمر وموسى الكايد .
أسماء الأراضي الزراعية
للأهمية إرتأيت أن أذكر عدد من أسماء قطع الأراضي وهي : خلة الشيخ ، المنشاوية ، ظهرة المغارة ، خلايل العبيد ، خلايل حمدان ، ظهر الحوراني ، القصبة ، قنارات ، خلة الجابية ، المقاشر ، قصر فقوس ، أبو الزلفة ، الكرادات ، القرمية ، لبليدات ، النخلات ، الصوانيات ، الغدران ، خلة البيك ، ذرعان اللحف ، خلة المليحة ، الخنقة ، ظهر العين ، أرض الخضيرة ، الكفة ، القاعات ، البياضات ، الملطات ، خلة الخنزيرة ، أبو صبره ، خلة أبو ليمون ، ... إلخ .
عيون الماء
عيون ماء قرية أم الشوف أكثرها فجر وهي في الجهة الشمالية للقرية فلم تجف المياه في العيون خصوصاً عين البلد الشمالية وهي أحدى روافد نهر الزرقاء وكانت مياه هذه العين تصل إلى كثير من أراضي القرية ، ومن عيون القرية :
1ـ عين أم الشوف وهي في الشمال الشرقي للقرية ويطلق عليها عين البلد .
2ـ عيون طبش .
3ـ عين الخضيرة وهي في الشمال الغربي للقرية . .
4ـ كثير من الينابيع الصغيرة توجد في أراضي أم الشوف الشمالية .
الانتداب والرحيل
عرف عن أهالي أم الشوف حماستهم ومشاركتهم مع ما كان يدور حولهم من أحداث في فلسطين رغم فقد السلاح لمقارعة الانتداب البريطاني ومن معه وكانت السياسة البريطانية منذ قدومها مع اليهود ودعمهم بالسلاح وفتحت لهم أبواب الهجرة ولأهل أم الشوف مشاركتهم في إضراب عام 1936م وما بعده وكان منهم قائد فصيل لقرية أم الشوف أحمد الجربوع ومعه عدد من أبناء القرية وكثيراً ما يأتي جيش الانتداب إلى محاصرة القرية وفرض منع التجول عليها وفي عام 1938م اشتدت قوة الفصيل من أبناء القرية وقامت معركة بين الثوار وجيش الانتداب ثم دخل القرية وفرض منع التجول وحاصر القرية وطالبت الجميع بالخروج من بيوتهم والتجمع في ساحة المسجد وبعد ذلك دخل الجيش إلى بيوت القرية وخرب ما فيها حيث أنه أفرغ أكياس الخزين من القمح والشعير والعدس والحمص والذرة والسمسم والطحين وكل ما في البيوت من خزين ويأتون بالزيت والسمنه والكاز ويضعونه فوق ما أفرغ من أكياس الخزين ، إن أعمال التخريب كانت واسعة النطاق في القرية ، وأما عام النكبة 1948م فكان التهجير والتطهير العرقي وذلك يوم 12/5/1948م .
وأخيراً
إن قرية أم الشوف الطيب أهلها بحاجة إلى المزيد من الحلقات والشرح والتفصيل ، إن ما قدمناه في هذه الحلقة المختصرة لا تفي أم الشوف ولا أهلها حقهم وهي بحاجة إلى المزيد وخصوصاً في الفترة العثمانية وفترة الانتداب البريطاني والنكبة والتهجير بالإضافة إلى العادات والتقاليد والأفراح والأتراح والحياة الاجتماعية والاقتصادية والأزياء الشعبية أيضاً كل اسم ذكرناه بحاجة إلى حلقة ومعركة أم الشوف عام 1938م بحاجة إلى حلقات من أصحاب الرواية الشفوية وحصلت مجزرة في أم الشوف عام النكبة وهي بحاجة إلى جهد .
باختصار نأمل من أهل قرية أم الشوف وخصوصاً أهل العلم والشباب والمثقفين أن يوحدوا مجهوداتهم ويجمعوا هذا التاريخ وهذا التراث ليدون في كتاب نفيس ، فهم فعلا بحاجة إلى ذلك .
وقبل الانتهاء أزجي شكري لأسرة مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية في أبوديس التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية ولأسرة مكتبة بلدية البيرة العامة وأسرة مكتبة القطان في رام الله شاكراً الجميع على مساعدتهم للباحثين والمهتمين وتيسير كل وسائل البحث الجاد وبإخلاص والشكر موصول إلى السيد عزيز طينه (أبو أشرف) وزوجته أم أشرف وأبنهم محمد عزيز طينه الذين عرفونا بأنسبائهم آل الصباح من أم الشوف وخصوصاً سليم جميل صباح (أبو جميل) ، وإلى اللقاء في حلقة قادمة عن قرية أخرى إن شاء الله .