إعداد الباحث عباس نمر
عضو اتحاد المؤرخين العرب
إن تدوين التاريخ بجهد الحاضر ما هو إلا محاولة ثقافية جادة صادقة في إحياء التاريخ لمنعه من الإندثار ليبقى التراث وتاريخ الماضي قوياً ولافتاً للإنتباه في إحياء الأصالة والكنوز المخبوئة ، فمن الواجب علينا نحن أبناء هذا الوطن أن نؤديه حقه بصدق وإخلاص ، ليكن عملاً رائداً مميزاً ، لأن عوالم المكان ومفرداته جزء أصيل من ثقافة الإنسان الفلسطيني المخاطب للعقل والوجدان بجمالية حب الوطن والإنتماء للأرض المباركة .
ومن جماليات حب الوطن هذه الدراسة المختصرة عن بلدة بيت جيز قضاء الرملة حيث تهدف هذه الدراسة إلى إعطاء صورة مختصرة للجغرافية والتاريخ والتراث قبل عام 1948م ، ليصاب الوطن والشعب بالنكبة المأسآة الأكبر في العالم ، لكن الشعب الفلسطيني حي ثابت التاريخ حقيقة لا تندثر مهما مر الزمان وهو ذاكرة الشعوب ، فما أجمل البحث في وثائقنا التي تعانق روحنا .
ومع الرواية الشفوية من أهالي بيت جيز في فلسطين والأردن ومع الموسوعات الفلسطينية مثل : بلادنا فلسطين للمرحوم المؤرخ مصطفى مراد الدباغ ومجلدات الدكتور سلمان أبو ستة، وكتاب كي لا ننسى للدكتور وليد الخالدي وكتاب ملكية الأراضي القدس 1858م–1918م للمؤرخ القدير الدكتور أمين مسعود أبو بكر بالإضافة إلى الباحث القدير الاستاذ سعدي عثمان النتشة الذي يساعد الجميع في الوصول إلى المعلومة الصادقة والاستاذ عليان الهندي الخبير في الشؤون الإسرائيلية الذي حدثنا عن بيت جيز من خلال الوثائق العبرية والدكتور الفاضل عبد القادر سطيح الذي زودنا بمعلومات عن بيت جيز في العهد العثماني .
واليوم تحدثكم بيت جيز عن نفسها باختصار وللأسف صانعة من الرواية الشفوية والمكتوبة تاريخاً موجزاً ولا شيء أخطر على الإنسان الفلسطيني من أن يكون جاهلاً بالتاريخ والجغرافية ونحن أبناء هذا الأرض المباركة.
التسمية
أجمعت الرواية الشفوية أن أسم (بيت جيز) هو الاسم الموروث عن الآباء والأجداد وجاء في موسوعة بلادنا فلسطين للمرحوم مصطفى مراد الدباغ ضمن الجزء الرابع في الديار اليافية أن الجيز جانب من الوادي ، والجيز أيضاً جمع (الجيزة) وهي الناحية من جانب الوادي .
(والجيزة) كما يقول ياقوت الحموي في معجمه الجيزة بالكسر في لغة العرب أفضل موضع فيه كله ، أما الاستاذ إبراهيم عفانة محرر الصفحة الثقافية في صحيفة القدس فقال : جاز جوازاً ومجازاً قُبل ونفذ ، جاز الموضع سار فيه وقطعهُ، وقولنا بيت جيز : إذا نونا التاء بالضم (بيتٌ) وفتحنا الزاي أصبحت بيتٌ جيز فمعناه أنا أجزنا ذلك البيت فجاز بناؤه وجاز وجوده أو أننا مررنا به ونحن سائرون في الطريق ، وإن نونا الزاي بالكسر وتركنا بيت مضمومة أو مفتوحة أو مكسورة (بيتُ جيزٍ ، بيتَ جيزٍ ، بيتِ جيزٍ) فالمعنى أن بيت جيز اسم مكان ، جيز وهو المضاف إليه ومعنى الجيز جانب الوادي ويعني محل القوم فيقال : نزلنا جيز بني فلان أي محلهم ، والجيزة مقدار الماء الذي يجوز (يقطع) به المسافر من منهل إلى منهل والجيزة هي الناحية وجيزان بإضافة ألف ونون إلى جيز أسم مكان في الجزيرة العربية يجوزه المسافر إلى اليمن .
وفي بداية العهد العثماني والوثائق العثمانية القديمة التي بين أيدينا وغالباً ما نقلت هذه الوثائق عن العربية التي ترجع إلى العهد المملوكي والصلاحي كان اسمها (بيت جيز وأحينا بيت جز).
الموقع
تقع قرية بيت جيز في أقصى الجنوب الشرقي من قضاء الرملة وهي على بعد (15) كيلومتراً من مدينة الرملة ويربطها طريق ممهدة لكنها غير معبدة مع طريق غزة القدس الرئيسية المعبدة الواقعة ضمن أراضي القرية من جهة الشمال وتربطها طرق صغيرة غير معبدة مع القرى المجاورة .
وتربعت القرية فوق هضبة من الاقدام الغربية لنهاية سلسلة جبال القدس الغربية وترتفع عن سطح البحر (200) متر تقريباً .
المساحة والحدود
لقرية بيت جيز أرض مساحتها (8357) دونماً منها (140) دونماً للطرق والوديان ولا يملك اليهود فيها أي شيء ويحدها من الشمال قرية أو منطقة تسمى الخلايل ومن الشمال والشمال الغربي قرية دير محيسن ومن الغرب خربة بيت فار ومن الجنوب الغربي قسم صغير من أراضي قرية رفات أو دير رفات ومن الجنوب قرية كفر روريا ون الشرق قرية بيت سوسين.
بيت جيز في القرن السادس عشر الميلادي
من الوثائق العثمانية القديمة في الدفاتر المفصلة والمكتوبة بالخط العثماني القديم تبين لنا من خلال هذه الوثائق أن قرية بيت جيز شاهدة على حقبة من تاريخ هذه القرية والتي كانت عامرة وزاهرة بأهلها في القرن السادس عشر الميلادي وللأهمية ارتأينا أن نقدم في هذه الحلقة شيئاً عن بيت جيز ناحية الرملة في تلك الفترة .
بيت جيز عام 964هـ الموافق 1557م
هذه الوثيقة من الدفتر المفصل العثماني عن بيت جيز عام 1557م تحت رقم (304 ت ت) لدفتر غزة هاشم والرملة وهي مكتوبة بالخط العثماني القديم وقام بترجمتها من اللغة العثمانية القديمة إلى اللغة العربية الخبير في قراءة الخط العثماني الدكتور عبد القادر سطيح وبعد ترجمة الوثيقة تبين لنا أن قرية بيت جيز بلغ عدد أفراد الأسر الدافعة لضريبة الزراعة (17) ولهم (17) بيت معمور وكانت بيت جيز تابعة لناحية الرملة ، أما أسماء دفعي ضريبة الزراعة فهم : نمر بن عبيد ، أحمد بن علي ، عمران بن عامر ، شعبان بن رمضان ، أحمد المصري ، مسلم بن سلامة ، حسن بن شهاب الدين ، عامر بن حمدان ، أحمد بن إبراهيم ، أبو هريرة بن عمر ، يوسف بن أحمد إعمر ، حاجي بن سهيل ، حميدان بن سهيل ، عيسى بن أحمد ، أحمد بن نوار ، عبد الله بن خليل ، يونس بن وعد .
وكانت حاصلات القرية الحنطة والشعير وأشجار الزيتون والأشجار المثمرة بالإضافة إلى رسوم الماعز والنحل .
عدد السكان
من خلال الرواية الشفوية بلغ عدد أهالي بيت جيز في نهاية الدولة العثمانية (200) نسمة تقريباً وفي عام 1922م وصلوا إلى (203) نسمات أما عام 1931م إرتفعوا إلى (371) نسمة منهم (182) ذكراً و(189) أنثى كلهم مسلمون ولهم (67) بيتاً وفي عام 1945م قدر عدد أهالي بيت جيز بـ (550) نسمة أما عام النكبة فكان عددهم (638) نسمة ولهم (115) بيت معمور ووفق تقدير لتعداد اللاجئين عام 1998م كان أهالي القرية (3918) نسمة واللاجئون المسجلون من بيت جيز عام 2008م وصلوا إلى (4545) نسمة أما مجموع اللاجئين وفقاً لتقديرات نفس السنة 2008م (5297) نسمة .
أسماء الحمايل والأسر في بيت جيز قبل عام النكبة
أسماء الحمايل والأسر التي استطعنا جمعها ونعتذر لمن لم نذكر حمولته أو عائلته وأما ما استطعنا جمعه وهم :
الصالح ، عياد ، وقاد ، ادعيق ، عواد ، عادي ، عبد الرحمن ، حسن ، عمرو ، حمد ، حسين ، حسين الحسن ، ارحيم ، عيسى ، أوشاح أو الوشحة ، ابراهيم ، حميدة ، ياسين (سمور) ، ناصر ، علان ، مصطفى ، اسبيتان ، الأعرج ، حشمة ، عدوي ، عدوان ، إعمر ، الناجي ، العموري ، حرب ، شطارة ، عليق ، احزين ، عمر ، علي ، صبح عطا الله ، نمر ، مكاش ، متخ ، حديدون ، البقلة ، النجار ، سالمية ، داغر ، شحادة ، الوشح ، القاموق غصون ، مرعي ، مصلح ، عيدة ، شريم ، أبو سالمية ، عثمان ، رمضان ، روشان ، مرشد ، خليل ، مصطفى خليل .
المخاتير
كان في قرية بيت جيز وظيفة المختار موجودة ويعتبر المختار أصغر ممثل إداري للحكومة وقد كان على رأس كل قرية مختاران ، مختار أول ومختار ثاني ، وكان على من يتغيب من المخاتير أن يعين وكيلاً عنه وكانت مهام المختار كثيرة منها الرسمية والشعبية بالإضافة إلى الاصلاح بين الناس وتسجيل المواليد والوفيات وكان بيته مجمعاً وملتقى رجالات بيت جيز ومن مخاتير القرية في فترة الانتداب :
1ـ المختار أحمد عبد الرحيم عياد .
2ـ المختار عبد الفتاح صالح حسين الصالح .
المضافة أو الديوان
المضافة أو الديوان في قرية بيت جيز تعتبر رمز الضيافة والكرم عند أهل القرية وهي من الأمكنة التي يتواجد فيها الرجال بصورة دائمة ومن المعروف أن أهالي بيت جيز لهم اكثر من مضافة منها مضافة دار الصالح ودار عياد ودار وقاد وقبل النكبة كثرت المضافات لكثرة الحمايل والعائلات لكن مضافات بيوت المخاتير كانت اشهرها فمثلاً مضافة دار الصالح لصغر المسجد (مقام الشيخ زيد بن ثابت) كان يصلى في المضافة صلاة الجمعة والعيدين لأن المضافة كانت واسعة .
الحياة الدينية
كان في بيت جيز مقام الشيخ زيد بن ثابت ويعتبر هو مسجد القرية الوحيد وتقام فيه صلاة الجماعة وكان الشيخ رشيد هو الإمام والمؤذن وفي غيابه المخاتير هم من يقوموا بالإمامة وكان عملهم حسبة لوجه الله ، وكان في القرية عدد من الصوفية منهم اتباع الشيخ الشريف في الخليل واكثرهم اتباع الشيخ أحمد البدوي في مصر وكان يطلق عليهم اسم الأحمدية أي أتباع الشيح أحمد البدوي وعددهم (15) رجلاً ، وفي القرية عدد من المقامات منها :
1ـ مقام الشيخ علي .
2ـ مقام الشيخ ذيب .
التعليم
أهتم اهالي بيت جيز بالتعليم على الرغم من عدم وجود مدرسة وكانت دواوينهم مفتوحة لتعليم الكتاتيب لذلك نجد أن أهالي القرية عدد لا بأس به منهم يلمون بالقراءة والكتابة ومن شيوخ الكتاب الذين عملوا في القرية الشيخ عبد الرحمن الكفر عيني.
وفي عام 1947م بنيت مدرسة مشتركة بين بيت جيز وبيت سوسين على حساب أهليهما وبلغت تكاليفها نحو (1600) جنيه فلسطيني وبنيت المدرسة من ستة غرف حجر وعين لها مدير أسمه عبد الفتاح ياسين اللبدي لكن نكبة عام 1948م قضت على آمال الطلاب .
المدن والقرى التي هُجرت من قضاء الرملة لواء اللد
اللد ، الرملة ، بيت جيز ، خربة زكريا ، يبنا ، دير أيوب ، وادي حنين ، الطيرة ، أم كلخة ، شلتا ، شحمة ، صرفند الخراب ، صرفند العمار ، صيدون ، سجد ، سلبيت ، القباب ، قوله ، القبيبة ، قزازة ، النعاني ، النبي روبين ، المخيزن ، المزيرعة ، راس العين ، المنصورة ، مجدل يابا أو مجدل الصادق ، اللطرون ، المغار ، خلده ، الكنيسة ، خروبة ، الخيمة ، جمزو ، جنداس ، جليا ، إذنبة ، الحديثة ، عنابة ، دير محيسن ، دير طريف ، دير أبو سلامة ، دانيال ، خربة الظهيرية ، خربة البويرة ، البرج ، بير أماعين ، بير سالم ، عجنجول ، بيت نبالا ، بيت سوسين ، بيت شنة ، خربة بيت فار ، بشيت ، أبو الفضل ، أبو شوشة ، برفيلية ، عقاقر ، البرية . .
كلمة لا بد منها
إن الحنين إلى بيت جيز وخرب بيت جيز والحقول والبساتين المثمرة في بيت جيز وكروم العنب والتين والصبر والسهول الغنية بسنابلها المليئة بالحب من القمح والشعير والذرة والسمسم ، إنها أراضي كانت تموج في اخضرارها المزينة بالأزهار والأشجار المثمرة والغير مثمرة هذا ولا ننسى تربية الحلال من أغنام وسمار وأبقار حيث وصل عند أحد أفراد بيت جيز (1500) راس غنم قبل عام 1936م وكل أهالي القرية أهتموا بتربية الحلال وبقي الحال حتى عام النكبة ولا ننسى مقاثي البطيخ والشمام والحمص والبندورة والفقوس والخيار وعيون الماء … إلخ .
ونحن وما فيه اليوم ما هو إلا جزء من الحاضر والواقع الأليم الذي يعيشه أبن قرية بيت جيز المبعد عن ووطنه على طريقة التطهير العرقي والذي لفحته رمضاء الغربة بعيداً عن أرضه منذ (70) عاماً وحتى اليوم تاركين أعز ما يملكون الأرض مسقط رأس الآباء والأجداد أنه الوطن الذي لا يشغله شاغل وابن فلسطين لا ينام إلا وهو يحلم بالعودة (وما بضيع حق ووراءه مطالب) .
وما زالت الأمم المتحدة تعترف بحقوق أهل فلسطين لأن الفلسطينين متمسكون بهذا الحق المقدس لكن أين التطبيق ؟!! ولا شيء أخطر على الإنسان من أن يكون جاهلاً بالتاريخ وماضيه ونحن أبناء هذا الوطن.
وأخيراً
إن بيت جيز وأهلها الكرماء بحاجة إلى المزيد من الحلقات والتفصيل وخصوصاً في العهد العثماني والحياة الاجتماعية والثقافية والدينية والأزياء الشعبية عند الرجال والنساء والأفراح والأتراح وأخبار عام 1936م والتهجير على طريقة التطهير العرقي وقصة القرية انها كانت تتبع الى قريتي كسلا ودير الهوا والنكبة وقصة الرحيل عن القرية والقرية اليوم وأهلها اليوم كلها بحاجة إلى حلقات .
كل ذلك بحاجة إلى جهد إلى تدوين إذ على الأباء والمثقفين والمتعلمين وحملة الشهادات العليا أن يجتهدوا من اللحظة للعمل على تدوين القرية لإظهارها بما يليق بها انها قرية طيبة وأهلها فعلاً بحاجة إلى كتاب نفيس يحمل اسم القرية بيت جيز .
وقبل الانتهاء أزجي شكري لأصحاب الرواية الشفوية من كبار السن والذين لقيتهم من شهر آيار عام 2013م منهم السيد محمود حسين أبو حسين من مواليد عام 1926م والسيد أبو بسام محمد مصطفى ياسين سمور والمرحوم أبو شحدة الحاج موسى الناجي الذين هم من قاموا بالرواية الشفوية عن قرية كسلا وبيت جيز والشكر للاستاذ أبو نضال عبد الكريم نمر عواد على جهده المتواصل معنا .
وفي النهاية شكري لأسرة مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية في أبوديس والتابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية التي دائماً تزودنا بقراءة الوثائق القديمة والقيمة ولا تبخل على أحد والشكر موصول إلى كل من أسرة مكتبة بلدية البيرة العامة ولأسرة مكتبة القطان في رام الله ولأسرة مكتبة بلدية رام الله العامة وذلك لجهد الجميع الصادق والمخلص في إعطاء المعلومة ومساعدتهم للباحثين والمهتمين وتيسير كل وسائل البحث الجاد وإلى اللقاء في بحث آخر إن شاء الله .