خانات فلسطين - الحلقة الثالثة
وها انا اتقدم لقرائنا الأعزاء في صحيفة «القدس » بشيء من هذا الجهد الجبار (خانات فلسطين( للمؤرخ شكري عراف، من مواليد 20 / 1/ 1931 م في بلدة معليا في الجليل الأعلى من فلسطني وكان قد حاز على الدكتوراه في عام 1985 م وله ( 40 ( مؤلفاً ما بين كتاب ومجلد وموسوعة وتتحدث جميعها حول الأرض والإنسان والتاريخ والتراث الفلسطيني ، وقد صدر هذا العمل المتقن منذ اسابيع وسيكون له انطلاقة في الإعلان عنه في الشهر القادم ، وجاء المجلد في ( 220 ( صفحة من القطع الكبير والملون واشتمل على عدد من صور الخانات منها القديم ومنها الجديد وكذلك صور قديمة لبعض المدن الفلسطينية مثل اللد والرملة وبير السبع ويافا ونابلس .
وقسمت المحتويات إلى ثلاثة فصول وتضمن الفصل الأول عرضاً عاماً لأنواع الخانات والقيسرية والوكالة ثم العناصر المعمارية للخانات والتعريف بمن يقوم على رعاية وتسيير شؤون الخان واختتم الفصل بالقوافل حيث كانت القافلة مؤلفة من عدد من الجمال قد يصل عددها إلى المئات أو أكثر وتحدثنا عنه في الحلقة الأولى .
أما الفصل الثاني فيشتمل على خانات المدن في غزة وعسقلان ويافا والرملة واللد والقدس والخليل وعكا ونابلس والناصرة وصفد وذكرنا ذلك في الحلقة الثانية . والفصل الثالث جاء فيه خانات الطرق في فلسطني مثل خانات طريق نابلس بيسان وطريق عكا صفد وخانات طريق النقب وادي عربة وخانات طريق يافا القدس عمان ، واختتم المجلد الموسوعي بالخلاصة والمصادر ، هذا وقد وفق الله المؤرخ بالحديث عن ( 160 ( خان وقيسرية ووكالة ، وهذه الحلقة الأخيرة ستكون من الفصل الثالث باختصار حول خانات الطرق في فلسطين حيث قسمها مؤرخنا الدكتور عراف إلى ( 12 ( طريق مثل خانات طريق البحر وخانات ظهر الجبل وخانات طريق نابلس بيسان وخانات الطرق العرضية كطريق غزة الخليل الأردن وطريق غزة بيت لحم القدس وطريق يافا القدس الأردن وأختتم الفصل بخانات النقب ووادي عربة .
خان عيون التجار /سوق الخان
وقد ساعد على ازدهار هذا الخان عوامل عديدة منها : عيون الماء الموجودة في الموقع ، التي زودت العابرين بحاجاتهم وحاجات دوابهم ووقوعه في مفترق طرق بين الشرق والغرب طبرية ودمشق شرقاً ، والناصرة وصفورية وعكا غرباً ، ثم بني الجنوب والشمال حيث الطريق إلى مرج ابن عامر فاللجون وجنين جنوباً ، وإلى صفد شمالاً ، وقربه من سهل واسع أعطى مرعى خصيباً للمواشي حيوانات المسافرين في ظروف استتباب الأمن وهو على بعد خمسة كيلومترات شرق مدينة الناصرة وكان التاجر الدمشقي ابن المزلق هو الذي بناه مع خانات أخرى على الطريق نفسه حتى اللجون وقاقون وأماكن أخرى ، مات الرجل في العام 1438 م وفيه يقول السخاوي (ت 1497 م( : (محمد بن علي شمس الدين الحلبي الدمشقي المعروف بلقب ابن المزلق ، كان رئيس التجار الدمشقيني مات وعمره يزيد عن ثمانين عاماً ، وقد ترك أعمال بر كثيرة على طريق سورية مثل بناء خانات عدة وإصلاح الطرق وغير ذلك ، أوصى بوقف ثلث ثروته لإتمام بناء خان الأرينية وتصليح الطرق الصعبة إلى سعسع ، في هضبة الجولان أما الباقي فأوصى أن يقسم إلى أجزاء تعطى لفقراء مكة والمدينة والقدس ودمشق (. كان ذلك في أواخ ر العهد المملوكي كما هو واضح وبعد حوالي 150 سنة أخذ وضع الأمن هناك يدعو إلى الإسراع في وضع حد للبدو وقطاع الطرق في عرقلة التجار والسفر ، ففي العام 1581 م ، كتب قضاة دمشق وصفد وعكا رسالة إلى سنان باشا في دمشق يقولون فيها أن موقع خان التجار يتعرض لتجمع البدو المتمردين قطاع الطرق الذين يهجمون زوار القدس والخليل والتجار المتجهين إلى مصر ، فإذا بني الخان مع أبراج حراسة في جهاته الأربع مع جنديين أو ثلاثة في كل برج ، وعشرة رجال آخرين يسكنون هناك ويحرسون هذه القالع ، فإن المكان سيصبح مأهولاً وآمناً ، واستجاب سنان باشا للعريضة وفي العام 1588 م أمر ببناء الخان والقلعة المجاورة وأسكن فيه عدداً من الجنود كما أراد بناء قرية زراعية حول القلعة ، وبقي المكان صامداً بالرغم من أنه شهد صعوداً وهبوطاً في حجمه وذلك تبعاً للوضع الاقتصادي والأمني وانتهى العمل مع نهاية الدولة العثمانية .
القيسارية / الظاهرية في الظاهرية قضاء الخليل سوق يعرف بالقيسارية ، يتكون السوق من عشرات المحلات التي شغلت لزمن غير بعيد كدكاكين للبضائع المختلفة ، ويبدوأن قرب الظاهرية من صحراء النقب جعل منها مكان جذب تجاري لبدو النقب ، كذلك فإن وقوع الظاهرية في منتصف الطريق ما بين غزة والخليل أو بئر السبع والخليل ، جعل منها بلدة محورية في العلاقات التجارية ما بني الساحل والصحراء من جهة ، والجبال الوسطى في فلسطني من جهة أخرى ، ووجود سوق بهذا الحجم يؤشر الى مدى نشاط الظاهرية التجاري كما يفسر حجم البلدة الكبير التي ازدهرت أكثر ما ازدهرت إبان الفترة المملوكية عىل الرغم من انها ترتبط لفترات تاريخية أعرق بكثير .
قصر أصليين
يقع قرب عين الذروة في حلحول ، وهو بالقرب من بركة أطوالها 8×3 أقدام من الداخل وقد دمر الخان في حوالي 1830 م ( أي قبيل حملة إبراهيم باشا على سورية( .
خان العروب
وهو قرب عيون العروب بين الخليل والقدس وقد استعمل الخان مقهى قبل أن يشق الشارع وتبدأ السيارات بنقل الناس في العام 1921 م وما زالت آثاره عند المفرق إلى بيت أمر في موقع اسمه (جعنيني(.
خان بني سعده
فإذا غذوت السير وصلت إلى خان "بني سعد" (سعد وسعيد( وهو بظاهر القدس على بابه سبيل للمسافرين ورباط لخيولهم إنه (مكان معمل الخزف الفلسطيني الآن( مقابل القنصلية الأمريكية العامة ، كان هذا الخان معداً لاستراحة قاصدي القدس من الشمال حيث يستريحون ويتهيأون لدخول القدس الشريف وقد انتسب لهذا الخان العالم المعمر إبراهيم بن أحمد بن فلاح السعدي .
خان المسقى
وهو قرب رام الله إلى الجنوب الغربي من بيت عنان تماماً ، وجدوا فيه خزاناً للماء وقناطر وبقايا قاعتين طوليتني ، وكلتاهما مسقوفتان بعقد انبوبي ، وقد كان لكل منهما مدخل منفرد له باب وسكرة ، والخان عىل مفرق طرق على طريق القدس اللد .
خان بيت عنان
وهو إلى الغرب من القرية من قرية بيت عنان قضاء القدس مع عين ماء .
خان الرام
وقد زارته بعثة استكشاف فلسطين PEF( ( في 23 /حزيران 1881 م وقالت ، إنه على طرف الطريق ، حيث يوجد محجر وبئر ماء وإن ه عبارة عن خرائب خان وقناطر وصهاريج منحوتة في الصخر ، والخان عىل بعد حوالي 800 م جنوب غرب الرام قضاء القدس ، وقد عرف الخان باسم خربة الرام وهناك بئر ماء تستقي منها النساء .
خان البيرة
كان المحطة الأولى للمسافرين من القدس شمالاً ويعتقد أنه قديم جداً ، إذ هناك ضاع السيد المسيح عليه السلام أثناء عودته إلى الناصرة بعد حضور عيد الفصح في القدس ، والخان موجود في مدينة البيرة وبقريه عين ماء ويقع إلى الشرق من الشارع وهو آثار قلعة ، وكان الرحالة النابلسي قد مر بالخان حين عودته من القدس في عام 1690 م والخان قريب من عين البيرة وقال الرحالة انه كان قد استعمل مسجداً ونزلاً للزوار المسلمين .
خان بير زيت
تقع خربة بير زيت في مدينة بير زيت وعلى قمتها خان وبالقرب منه آثار بناء ونحت في الصخر ، وفخار من الفرتات :الحديدية ، الهيلينية ، الرومانية ،المملوكية ، وفي بير زيت خان مملوكي بني في البلدة القديمة على بعد كيلومترين شرقي الخربة ، وجل ما تبقى منه هو جدار ضخم سمكه حوالي المرتين وبني على أنقاضه حوش العتم ، ويبدو أن الخان المملوكي قد حل محل الخان في الخربة ( أو البوبرية( بعد أن انتقل مركز النشاط للبلد القديمة .
خان أبو حاج فارس
وهو في مدخل وادي الحرامية على طريق القدس نابلس ، لا أثر أو ذكر له اليوم ، وهو عبارة عن أكوام من الحجارة وأساسات ربما بقيت من خان كبير ، وإذا كان المقصود منه خان عين الحرامية فإن الوقائع قد ذكرته وهو عبارة عن أبراج عدة في الوادي لحماية الطريق بين القدس ونابلس من اللصوص .
خان اللُب
ويقع خان اللبن على الطريق الواصل بني نابلس ورام الله وعىل حدود بلدة سنجل التي تجاور أراضيها اللبن الشرقي وهو في آخر المرج قبل الصعود في طلعة اللُبن المسماة ( عقبة اللبن ( إلى الجنوب من اللبن الشرقي ، والخان واسع لكن لا سكان حوله ، ومنه تستمر الطريق في عقبة منحدرة. وقد مر بالخان الشيخ عبد الغني النابلسي حين عودته من القدس في العام 1693 م ، وقال أنه عقبة اللبن وبالقرب منه بركة ماء ، كما بات فيه الرحالة مندريل ليلة 25 آذار 1697 م وكان ثومسون قد بات فيه العامين 1833 و 1878 م ، أما بعثة استكشاف فلسطين PEF( ( والقنصل فين ( Finn ( فقالا إن عين ماء موجودة في أسفله تداعى جزؤها الشرقي ، في حين بقي جزؤها الغربي ، البوابة للخان من الغرب وبالقرب منها بركة ماء إلى الشمال ، أقاموا مصنعاً للطوب في ساحة الخان ، والمصنع غير شغال اليوم .
خانات مرج الحولة
خان الدوير
خان الدوير وهو من خانات مرج الحولة في الشمال الفلسطيني وأنشيء الخان في العهد المملوكي وبني على طريق القوافل من دمشق إلى صفد وعكا بطريق بانياس ، والاس م من الشكل المستدير للخان ، وهو ضمن غابة من اشجار الملول وقد كان خان الدوير قرية مأهولة حتى العام 1938 م حيث سكنها 155 نسمة ، وبعد ذلك ضمت أراضيها إلى مستوطنتي دان وسنير ، وكان الخان مصنعاً للسكر أخذ مياهه من ينابيع بانياس المجاورة .
خان يردا
لم يكتب عنه ، كما أن الخرائط لم تذكره بشكل متواصل ، وهو إلى الشرق من الجاعونة ، وعلى بعد حوالي ثلاثة كيلومترات غرب جسر بنات يعقوب ، يرتفع حوالي 229 م عن سطح البحر ، والخان إلى الجنوب من قبر الشيخ مشرفاوي ، ويسمى الموقع ( ظهر الشمالي ( وقد ذكرته خريطة بعثة استكشاف فلسطني ( PEF ( في العام 1875 م باسم خربة لوزية ، وذكرت الوادي المجاور له بوادي اللوز ، أما الاسم يردا فيذكرنا بكلمة الأردن وقد يكون أقيم في المائتي سنة الأخيرة ، لكن الفخار والعملة فيه يشيران إلى أن المكان كان مأهولاً قبل ذلك ، وقد وجد فيه 16 قطعة من العملة ، سبع منها بيزنطية من أيام قسطنطين ( 387-360 م( وثلاث قطع أموية ، وقطعتان مملوكيتان ، وثلاث قطع من أواخر الفترة العثمانية وقطعة واحدة بريطانية . خدم الخان القوافل حتى بداية هذا القرن ثم استعمله مزارعو مستوطنة روش بينا كمزرعة سكنوها 3- 4 أشهر في السنة سماه المحليون ( خربة أبو هشام ( على اسم أحد سكان صفد العرب صاحب الأرض هناك وقد أسكن فلاحين في الخان ، والمبنى شبه مربع ، إذ أن طوله من الشمال إلى الجنوب مترا ، وعرضه من الشرق إلى الغرب 29 مترا ، بني من حجارة جيرية وبازلتية في وسطه بئر هي إلى الشرق أقرب ، في ساحة أطوالها 24×20 مترا ، بوابته الرئيسية من الجهة الغربية ، وهناك بوابة أخرى في الجهة الشرقية .والغرف موجودة في أطرافه الجنوبية والشرقية والشمالية بمعدل ثالث إلى أربع غرف في كل جهة ، وهي عشر غرف من طراز عقد الأنبوب تفتح إلى الشرق أما غرف الجناح الجنوبي ، فليست من النمط نفسه ولا هي من نمط العقود المصلبة ، بل هي حديثة التخطيط ربما تعود إلى بداية القرن العشرين استعملها مرابعون لأحد الملاك الدمشقيين .
خانات النقب ووادي عربة
خان تل النجيلة
خان تل النجيلة من خانات النقب الكثيرة منها : خان بئر السبع وخان تل النجيلة وخان قصر السيق وخان مية عواد وخان عين المالحة وخان فندق كرنب واما خان تل النجيلة فهو إلى الغرب من شارع بئر السبع الفالوجة على علو حوالي 209 امتار عن سطح البحر ، أجريت فيه حفريات بين العامين 1962 و 1963 م ووجدوا فيه مبنىً كبيراً فيأعىل التل يعود إلى الفترة المملوكية في القرن الثالث عشر فظنوا أنه مبنىً لخان أطواله 100×90 متر في المبنى ساحة مركزية حولها صف من الغرف .
خان بئر السبع
أنشئ خان بئر السبع في عام 1898 م وكان بين الخلصة وأيلة /أم الرشراش ، ست محطات وبني أم الرشرش وجبل سيناء ثماني محطات . وبالقرب من السور في السبيطة كان خان ضم ساحة واسعة في الوسط وكان فيها بئر ماء وحولها غرف المسافرين ، هذا المبنى ( الخان ( قريب من موقع البيار مصدر للمياه إلى الشرق من وهدة الرامان في مجرى واد صغير يرفد وادي الرامان في ثميلة عمقها متران ونسبة ملوحة مائها 157 ملغم للتر .
قصر السيق
بناء قصر السيق هو بقايا بناء كبير على الضفة الشمالية لوادي السيق والبناء عبارة عن غرفة كبيرة بالقرب منها ساحتان تحيط بهما الجدران ، بقيت أطوال البناء 9×9 أمتار إلى علو 3 أمتار في حين يبلغ سمكها حوالي نصف المتر ، وهو مبني من حجر مشغول بحجم متوسط وعند جدار البناء المتجه
نحو المجرى وله ساحة مستطيلة ، بنيت جدرانها من الحجر ، وهناك ساحة أخرى ملتصقة بالجدار بنيت بعناية أكبر من الأولى ومن حجارة مقصبة . وقصر السيق برج نبطي قرب الطريق النبطية التي أتجهت من البتراء شرقاً إلى عبدة بطريق وادي السير ووهدان الرامان ، وقد قطعت القوافل النبطية خلال يوم واحد الطريق من الخان النبطي في مية عواد في وادي العربة ، حتى الخان النبطي في باب وهدة الرامان وطول هذه الطريق حوالي 34 كيلو متر ، وقد حميت القوافل ببرجين برج السيق هذا وبرج قصرة في أول وادي قصرة ، استعملوه نزلاً فيه ساحة كبيرة محاطة بجدار حجري ملتصق بالخان من جهة الجنوب . أما المخطط العام للخان فهو عبارة عن ساحة مركزية مربعة تحيط بها الغرف المتلاصقة بالجدران الأربعة ، وقد بنوا قسماً من الغرف بالطوب ،والآخر بالحجر ، لكن معظم الحجارة غشيم والمقصب منها ذو نمط نبطي هوالتشحيط المائل .
وأخيراً
قد كان هذا الكتاب فيلما مصورا يستطيع الناظر فيه إعمال خياله فيرى كيف كان عليه الأسبقون من تعاون وتشارك في الأسفار والاتجار وكيف كانوا يتوجهون الى الأماكن البعيدة مطمئنين الى وصولهم الى محطات عىل الطريق آمنة يستريحون فيها ويريحون دوابهم التي تحمل أثقالهم وتجاراتهم ، ثم
يعودون بربح وفير.
إعداد الباحث عباس نمر
عضو اتحاد المؤرخين العرب