إعداد الباحث عباس نمر
عضو اتحاد المؤرخين العرب
إن عملية إحياء التراث لا تأتي بتلك البساطة التي يتصورها البعض بل لا بد من مادة وأصول ووثائق وأحاديث يُتفق عليها مع المعنيين والمتحدثين والذاكرين ..
إنها عملية تأريخ تتعاضد فيه الأحاديث والحكايات الشفوية مع الوثائق والشهادات المكتوبة بأيدي الموثوقين من المؤرخين والعلماء والمحدثين الجادين الذين تسعفهم الذاكرة بإيراد أدق التفاصيل حول ما يعلنونه على رؤوس الأشهاد .
ومن جماليات حب الوطن هذه الدراسة المختصرة عن قرية دير الهوى قضاء القدس ، حيث تهدف هذه الدراسة إلى إعطاء صورة مختصرة للجغرافية والتاريخ والتراث قبل عام (1948م) ليصاب الوطن والشعب بالنكبة المأساة الكبرى في العالم ، لكن الشعب الفلسطيني حي ثابت ، والتاريخ حقيقة لا تندثر مهما مر الزمان وهو ذاكرة الشعوب ، فما أجمل البحث في وثائقنا التي تعانق أرواحنا .
ومع الرواية الشفوية من أهالي دير الهوى من مخيم الدهيشة ومدينة الدوحة في محافظة بيت لحم ، حيث التقينا في يوم الخميس (11/7/2019م) السيد ذيب حسين حسن إبراهيم ابداح أبو محمد في بيته العامر في مدينة الدوحة بمحافظة بيت لحم ، وكان يرافقني كل من الأستاذ القدير والباحث سعدي محمود عبد الرحمن العيسة من سكان مخيم الدهيشة ، والسيد الفاضل ماهر عبد العزيز القيسي من سكان مخيم الدهيشة ، والسيد المحترم علي محمود العبد أبو صبع من سكان مخيم قلنديا ولا ننسى الاخت الفاضلة هاجر ابراهيم حمدان العيسة التي استقبلتنا في بيتها العامر وغمرتنا بكرمها الفائض وذلك قبل انطلاقنا للقاء السيد ذيب إبداح والتي كانت سبباً في معرفتنا بشخصه الكريم .
وكذلك كانت الاستفادة عظيمة من الموسوعات الفلسطينية مثل : موسوعة بلادنا فلسطين للمرحوم المؤرخ مصطفى مراد الدباغ ومجلدات الدكتور سلمان أبو ستة وكتاب كي لا ننسى للدكتور وليد الخالدي وكتاب ملكية الأراضي في القدس (1858م_1918م) للمؤرخ القدير الدكتور مسعود أمين أبو بكر بالإضافة إلى الدكتور عبد القادر سطيح مدير مركز التراث التركي في رام الله (مركز يونس أمره) والأستاذ القدير سعدي عثمان النتشة الذي زودنا بعدد من الوثائق العثمانية ، والخبير في الشؤون الإسرائيلية الأستاذ عليان الهندي الذي حدثنا عن قرية دير الهوى من خلال الوثائق العبرية .
واليوم تحدثكم دير الهوى عن نفسها من الرواية الشفوية والمكتوبة باختصار ، ولا شيء أخطر على الإنسان من أن يكون جاهلاً بالتاريخ والجغرافية ونحن أبناء هذه الأرض المباركة .
الموقع
تقع قرية دير الهوى إلى الغرب من مدينة القدس الشريف مع انحراف قليل إلى الجنوب ، وعلى بعد (18) كيلومتراً منها وتنهض على قمة من سلسلة جبال القدس الغربية ،وهي مشرفة على مساحات شاسعة من الأراضي من الجنوب والشمال الغربي ، وكانت تمر بها طريق فرعية تربطها بطريق فرعية أخرى واصلة إلى بيت لحم وكانت بعض الدروب (الطرق غير المعبدة) تصلها بالقرى المجاورة مثل : دير أبان وبيت عطاب وكسلا ودير الشيخ وسفلى ويمر من أراضيها من الطرف الشمالي سكة الحديد الواصلة بين يافا والقدس .
التسمية
أجمعت الروايات الشفوية على أن اسم دير الهوى هو الاسم الموروث عن الآباء والأجداد ، هذا وفي إحصاء النفوس في نهاية الحكم العثماني على فلسطين كان اسمها دير الهوى .
المساحة والحدود
لقرية دير الهوى أراضٍ مساحتها (5907) دونمات ، جميعها ملك لأهلها ولا يملك اليهود فيها شبراً . ويحدها من الشمال قرية كسلا ، ومن الغرب قرية دير أبان ، ومن الجنوب قريتا السفلى وبيت عطاب ، ومن الشرق قرية دير الشيخ ، ومتوسط ارتفاعها عن سطح البحر (650) متراً .
عدد السكان والبيوت المعمورة
في عام 1871م وصل عدد البيوت المعمورة في قرية دير الهوى إلى (32) بيتاً معموراً وعدد أهلها (160) نسمة وفي عام 1922م كانوا (18) نسمة وعند السؤال عن ذلك تبين أن أهالي دير الهوى منهم من لهم أراضٍ في قرية كسلا وبيت جيز وقرى أخرى ، فالكثير منهم رجعوا إلى قراهم وأصبحت الأراضي الموجودة لأهلها التي رحلوا عنها هي فقط أراضٍ زراعية ، أما عام 1931م فقد بلغوا (47) مسلماً منهم (22) ذكراً و(25) أنثى ، ولهم (11) بيتاً معموراً وفي عام 1945م قدر عددهم بما يقارب (60) نسمة ، أما عام النكبة 1948م فوصل عددهم إلى (70) نسمة ، وعدد البيوت المعمورة (16) بيتاً ، واللاجئون المسجلون عام 2008م حسب وثائق وكالة الغوث كانوا (361) نسمة ، أما مجموع اللاجئين وفقاً لتقديرات السنة نفسها 2008م في كل اماكن تواجدهم فكان (678) نسمة .
أسماء الحمايل والعائلات
في قرية دير الهوى عدد من العائلات هم أصلاً من القرى المجاورة مثل قرية كسلا وبيت جيز ، ومختار قرية بيت جيز هو مختار دير الهوى ، ومن حمايل وعائلات دير الهوى :
عثمان ، ابداح ، صالح ، ربيع ، السكاونة ، مهكاش ، حميده ، بقله ، ديرية (عميش) ، الناجي .
المختار
كانت وظيفة المختار موجودة في قرية دير الهوى منذ إنشاء وظيفة المخترة تقريباً وذلك منذ عام (1887م) ، وفي الغالب كان يوجد للقرية مختاران ، مختار أول ومختار ثان ، ويتم اختيار المخاتير بالانتخاب ، ويجب أن يكون المختار من أصحاب الأملاك في القرية ، وصاحب أخلاق حسنة ، ويعرف القراءة والكتابة ، وأن يكون عمره فوق (30) سنة وكانت مهام المختار كثيرة منها : الإبلاغ عن المواليد والوفيات وتسليم القتلة والمشاغبين إلى الحكومة ، وكان بيت المختار مجمعاً وملتقى رجالات القرية ، وكان مركز إصلاح في حل المشاكل ، وكان المسؤول عن المختار مدير الناحية ، ورغم البحث لم نعثر على أسماء المخاتير في نهاية الدولة العثمانية أما أسماء مخاتير فترة الانتداب البريطاني فعرفنا منهم :
1ـ المختار عبد الله ابداح .
2ـ المختار محمود صالح وهو مختار قرية دير الهوى وقرية بيت جيز .
المضافة أو الديوان
كان يطلق على اسم المضافة أو الديوان في دير الهوى اسم ساحة وهذه الساحة غالباً ما تكون في بيت المختار ومن مضافات القرية :
1ـ مضافة دار ابداح .
2ـ مضافة دار صالح .
المقامات
1ـ مقام الشيخ الحوباني وهو قريب من بيوت القرية .
2ـ مقام الشيخ إسماعيل وهو في أراضي القرية في المنطقة الشمالية .
الحياة الاقتصادية
لقد كانت تربة الأرض في دير الهوى خصبة ، على الرغم من أنها جبلية وتعتمد على مياه الأمطار ، وكان أيضا في القرية عدد من الوديان أيام الشتاء ، وكانت الأراضي المجاورة تستثمر في زراعة المقاثي مثل الخس والقرنبيط لذلك كانت أراضي دير الهوى وبساتينها لها شهرتها رغم اعتماد الأهالي على الزراعة وفق الأساليب البسيطة الموجودة في تلك الفترة وتقسم المزروعات في القرية إلى شتوية مثل القمح والشعير والكرسنة والقطاني …. إلخ ، وأخرى صيفية كالذرة والسمسم ، واهتموا بمقاثي البندورة والخيار والفقوس والبامية ، واللوبيا والفاصولياء والكوسا واليقطين ، أما الأشجار المثمرة فكانت كرومها كثيرة مثل اللوز والتين والعنب والصبر والتفاح السكري والخوخ والتوت وزرع بالقرب من العيون خصوصاً في بير البيار وعين مرج اللبن ، النعنع والبقدونس والباذنجان والبصل الأخضر والفجل والجزر واللفت … إلخ .
الثروة الحيوانية
بقدر اهتمام أهالي دير الهوى بالزراعة اهتموا بالثروة الحيوانية لكن خفت تربية الأغنام بعد عام (1936م) لكنهم استعملوا البغال والأبقار والحمير والجمال للحراثة ، أما الأبقار فكان يستفاد من حليبها ولحومها ، والحمير والبغال استعملت كوسائط نقل ، والجمال استعملت للأحمال ، خصوصاً في نقل المزروعات ومنتوجاتها إلى الأسواق ، وخصوصاً سوق بيت لحم .
خرب القرية
كان لقرية دير الهوى وجود عند علماء الآثار ، فهناك موقع أثري يحتوي على حجارة منقوشة وأعمدة وجدران ، ومن خرب دير الهوى :
1ـ خربة دير الهوى الشرقية وفيها موقع أثري وأرض مرصوفة بالفسيفساء مطمورة في التراب وفي الموقع مدافن منقورة في الصخر وبركة واسعة في الصخر .
2ـ خربة علالي البنات .
3ـ خربة البلد .
4ـ خربة ربيعة .
5ـ خربة الراس تقع في الشمال الشرقي من أراضي دير الهوى.
6ـ خربة عرما وهي في الشمال الشرقي من أراضي القرية .
أسماء قطع الأراضي في القرية
الزمبيل ، المربعة ، علالي البنات ، أراضي وادي إسماعيل ، أراضي خربة الراس ، أراضي خربة ، صفحة البطاط ، حبلة الحنفة ، منطقة بير البيار ، أراضي خربة دير الهوى الشرقية ، خلة الورد ، قرن الذيبة ، خلة حميدة ، أراضي مرج اللين ، خلة الزعفران ، صف عابد ، أراضي الشيخ الحوباني ، أراضي خربة ربيعة ، شعاب المراعوة ، الحرايق ، أراضي مقام الشيخ إسماعيل .
مناطق أخرى تحمل أسم دير الهوى
1ـ دير الهوى الشرقي وهي خربة شرق أراضي قرية دير الهوى .
2ـ دير الهوى : موقع في أراضي أم الفحم .
3ـ دير الهوى : خربة ضمن أراضي الظاهرية .
4ـ دير الهوى : ضمن أراضي مدينة السموع عام 1948م في المنطقة الجنوبية ما بين وادي البطمة ووادي ذباذب .
ناحية بيت عطاب
من المعروف أن مدينة الخليل كانت مقسمة في العهد العثماني إلى نواحٍ وهي :
1ـ ناحية الخليل ـ مدينة الخليل .
2ـ ناحية بيت جبرين .
3ـ ناحية عمامة .
4ـ ناحية العرقوب .
وفي عام 1915م جرت تغييرات ومسميات على النواحي لتصبح كما يلي :
1ـ مدينة الخليل وحاراتها .
2ـ ناحية جبل الخليل وقراه .
3ـ ناحية بيت جبرين وقراها .
4ـ ناحية بيت عطاب وقراها .
وللأهمية ولقلة المعلومات عن هذا الناحية (بيت عطاب) أنقل للقارئ الكريم أسماء قرى ناحية بيت عطاب من الوثائق العثمانية وهي :
نفس بيت عطاب ، دير الهوى ، زكريا ، بيت نتيف ، بيت جمال ، جراش ، دير أبان ، كسلا ، عقور ، دير الشيخ ، سفلى ، علار ، راس أبو عمار ، جبعة ، حوسان ، نحالين ، وادي فوكين ، لكن اسم ناحية العرقوب بقي هو المشهور على ألسن الناس وفي فترة الانتداب البريطاني رجع اسم قرى ناحية العرقوب وغاب اسم ناحية بيت عطاب ، وفي فترة الانتداب كثير من قرى ناحية العرقوب تحولت إلى الرملة من قضاء الخليل وقرى منها تحولت إلى قضاء القدس مثل قرى : إجراش ، دير أبان ، دير الهوى ، راس أبو عمار ، علار ، دير الشيخ … إلخ .
أسماء قرى ناحية العرقوب
بيت عطاب ، علار ، كفر سوم ، وادي فوكين ، نحالين ، الجبعة ، بيت نتيف ، حوسان ، راس أبو عمار ، دير الشيخ ، عقور ، كسلا ، دير الهوى ، عرتوف ، أشوع ، صرعا ، دير أبان ، جراش ، بيت جمال ، زكريا ، السفلى .
المدن والقرى التي هجرت على طريقة التطهير العرقي من قضاء الرملة لواء اللد
القرى المهجرة على طريقة التطهير العرقي هي : اللد ، الرملة ، دير الهوى ، كسلا ، خربة زكريا ، يبنا ، دير أيوب ، وادي حنين ، الطيرة ، أم كلخة ، شلتا ، شحمة ، صرفند الخراب ، صرفند العمار ، صيدون ، سجد ، سلبيت ، القباب ، قوله ، القبيبة ، قزازه ، النعاني ، النبي روبين ، المخيزن ، المزيرعة ، راس العين ، المنصورة ، مجدل بابا أو مجدل الصادق ، اللطرون ، المغار ، خلده ، الكنيسه ، خروبة ، الخيمة ، جمزو ، جنداس ، جليا ، إذذنبة ، الحديثة ، عنابة ، دير محيسن ، دير طريف ، دير أبو سلامة ، دانيال ، خربة الظهرية ، خربة البويرة ، ، البرج ، بين أماعين ، بير سالم ، عجنجول ، بيت نبالا ، بيت سوسين ، بيت شنه ، خربة فار ، بشيت ، أبو الفضل ، أبو شوشة ، برفيلية ، عاقر ، البرية .
كلمة لا بد منها
إن الحنين إلى قرية دير الهوى أرضاً وسهلاً وجبلاً وعيون الماء وأشجار التين واللوز والتفاح السكري والصبر وأيام الربيع الجميلة والمقامات والأحواش والحارات والعلالي والمسجد ما هو إلا جزء من الحاضر الصعب والواقع الأليم الذي يعيشه أبناء دير الهوى المبعدون عن وطنهم الذي لفحته رمضاء الغربة بعيداً عن أرضهم على طريقة التطهير العرقي منذ (71) عاماً وحتى اليوم تاركين أعز ما يملكون ، الأرض مسقط الرأس وملعب الصبا والحنين إلى الماضي ما هو إلا جزء من الحاضر الذي يعيشه الإنسان الفلسطيني المبعد قسرياً عن وطنه وإن الوطن هو الذي لا يشغل عنه شاغل وابن فلسطين لا ينام إلا وهو يحلم بالعودة (وما بضيع حق ووراءه مطالب) وما زالت الأمم المتحدة تعترف بحقوق أهل فلسطين لأن الفلسطينيين متمسكون بهذا الحق المقدس لكن أين التطبيق ؟!!! ولا شيء أخطر على الإنسان من أن يكون جاهلاً بالتاريخ وماضيه ونحن أبناء النكبة أبناء هذا الوطن .
إن قرية دير الهوى الطيب أهلها بحاجة إلى المزيد من الكتابة والحلقات والشرح والتفصيل وإن ما قدمناه في هذه الحلقة المختصرة جداً والمتواضعة ما هو إلا النزر اليسير الذي لا يفي قرية دير الهوى ولا أهلها حقهم وهي بحاجة إلى كتابة حلقات خصوصاً في التاريخ القديم والعادات والتقاليد والأفراح والأتراح والحياة الاقتصادية والدينية والثقافية والصحية والاجتماعية والأزياء الشعبية ولم نكتب شيئاً عن فترة الاحتلال والانتداب البريطاني وثورة عام (1936م) والنكبة وقصة الرحيل من القرية وآلام الهجرة على طريقة التطهير العرقي وقساوتها إن دير الهوى بحاجة إلى كتاب قيم وليس إلى حلقات لأنها فعلا تستحق ذلك .
وقبل الانتهاء أزجي شكري لأسرة مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية في أبوديس والتابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية التي دائماً تزودنا بقراءة الوثائق القديمة والقيمة ولا تبخل على أحد ، والشكر موصول إلى كل من أسرة مكتبة بلدية البيرة العامة ولأسرة مكتبة القطان في رام الله وذلك لجهد الجميع الصادق والمخلص في إعطاء المعلومة ومساعدتهم للباحثين والمهتمين وتيسير كل وسائل البحث الجاد وإلى اللقاء في بحث آخر إن شاء الله .