بسم الله الرحمن الرحيم
الحضور الكريم :
الأخوات الكريمات ، أهالي قالونية الأفاضل السادة رئيس وأعضاء جمعية قالونية في فلسطين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
إنها نكبة توالت عليها نكبات ونكسات وهزائم تزرع فينا اليأس والإحباط والتوتر وكلما أضيفت إليها سنة جديدة إزداد الوضع ألماً وبعد مرور سبعة وستين عاماً على نكبة الشعب الفلسطيني ما يزال يدفع الثمن ولا راحة له ، يدفع ثمن إقتلاعه من أرضه ولجوئه إلى كافة أنحاء المعمورة يحمل معه المكان بموجوداته وذكرياته ولا ولن ينسى الشعب الفلسطيني إينما رحل وحيثما حل الأرض .. الأرض المباركة أعز ما يملكون وليعلم العالم أنه لا يوجد في التاريخ الحديث نكبات توازي نكبة فلسطين ولم يحدث قط أن غزت أقلية غريبة بلداً مسالماً هجر أهله الأصليين إلا في فلسطين ... فكان التطهير العرقي والتهجير في ظل الإنتداب البريطاني كان التطهير العرقي لشعب فلسطين المسالم حيث طرد اليهود (263) قرية وخربة ومزرعة قبل انتهاء الانتداب البريطاني أي قبل قيام دولة إسرائيل في 15/5/1948م ، وهُجِرَ بعد 15/5/1948م أكثر من (400) قرية ومدينة وخربة وهناك قرى هُجِرَت عام 1949م وعام 1950م وظل البدو في النقب عرضة لعمليات الطرد حتى عام 1962م عندما أرغمت عشيرة الهواشلة على الرحيل حيث تم وضع (750) شخصاً في شاحنات وطردوا ودمرت بيوتهم وصودرت أملاكهم وصودر لهم (800) دونم ووصل عدد المدن والقرى الفلسطينية التي هُجِرَت إلى (675) وذلك حسب موسوعات المؤرخ القدير الدكتور سلمان أبو سته وكلها موثقة وموجودة وآخرها مجلد : (فلسطين الحقوق لا تزول).
لم يكتفي اليهود بخلع وإقتلاع وتهجير الإنسان الفلسطيني بل دمر معالمه العمرانية والثقافية وطمس الهوية وانتحل شخصية مالك الأوطان لأنه لا تاريخ له في هذه الأرض المباركة أرض الأنبياء ومهبط الرسالات التي قامت من أجل خير البشر مع سلامهم المادي والروحي .
وبعد انقضاء هذه السنوات وقرارات الأمم المتحدة تعترف بحقوق أهل فلسطين لكن أين التطبيق ؟
مهما كبرت اللوعة في نفوسنا ، ومهما تعاظمت الحسرة في أعماقنا ومهما أنحنى الشعب أمام شدة العواصف فإن الشعب الفلسطيني لم يتغير ولم يتبدل ومقولة الكبار يموتون والصغار ينسون ، اليوم وبعد (67) عاماً الأبناء الصغار هم أجداد اليوم والأبناء مصممون على حق العودة وأنه لا بد لهذا الليل من آخر لا يستكين ولا يفقد الأمل لأن الأمل بالله مهما طال الزمن والحقوق لا تزول .
ولا شيئ أخطر على الإنسان من أن يكون جاهلاً بالتاريخ ونحن أبناء هذا الوطن.
إرتأيت في هذا اللقاء أن أتحدث عن قالونية البلد الوادع المضياف وصاحبة التاريخ العريق القديم من خلال الوثائق العثمانية الهامة في القرن السادس عشر الميلادي .
وهذه الوثائق وصلت صور عنها من تركيا حديثاً وموجودة في مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية في أبوديس وهذه الوثائق أيضاً موجودة في الدفاتر المفصلة عن لواء القدس الشريف والصادرة عن مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي ـ لندن ، وهذه الدفاتر دراسة تحليلية للنص العثماني وهي من إعداد العلامة الكبير الاستاذ الدكتور محمد عدنان البخيت و الدكتور القدير نوفان رجا السواريه بالإضافة إلى الكتاب النفيس (الجغرافيا التاريخية لفلسطين وشرق الأردن وجنوب سوريا) لمؤلفه العلامة القدير الاستاذ الدكتور كمال عبد الفتاح وزميله الدكتور هيتروت .
1ـ نبدأ بالوثيقة الأولى وهي من عام 1525م ـ1528م ومما جاء فيها :
أن قرية قالونية تابعة للقدس الشريف وهي وقف مدرسة شيخونية في القاهرة ( ومدرسة شيخونة إحدى مدارس القاهرة وتعرف أيضاً بخانقاه شيخو أنشأها الأمير الكبير سيف الدين شيخو الناصري في عام 1325م)
وعدد العائلات الموجودة في تلك الفترة أو أسماء أرباب دافعي ضريبة الزراعة كانوا خمسة ولهم خمس خانات والخانة البيت المعمور والأسماء هم : ناصر نصر الدين وحسن موسى وعبد الله موسى وإبراهيم مبارك وسلامة عبد الكريم .
وكانت قيمة الضريبة على الحنطة (القمح) والشعير والزيت وكانت قيمة الضريبة (4000) أقجة وعشر عن مال الوقف قيمته (400) أقجة والأقجة عملة عثمانية قديمة كانت مصنوعة من الفضة وقيمتها عالية وغالية في تلك الفترة .
2ـ الوثيقة الثانية : وهي عام 1538م
جاء فيها أن قرية قالونية تتبع القدس الشريف وهي وقف المدرسة الشيخونية في القاهرة وفيها سبع عائلات وكان عندهم إمام ، وكانت تشتهر في تلك الفترة بالقمح والشعير والأغنام خصوصاً الماعز وعند خلايا نحل ، ودفعت القرية (4000) أقجة بدل رسوم زراعية .
3ـ الوثيقة الثالثة : عام 1553م
وفيها أن قالونية عامرة بأهلها وفيها 20 خانة أي بيت معمور وأرباب هذه البيوت المعمورة هم :
أحمد عبد الله ، عبد الله عيسى ، علي ، بلوط أحمد ، أحمد مبارك ، إبراهيم مبارك ، يوسف مبارك ، بكر إسماعيل ، مبارك أحمد ، ذياب عوض ، شاكر يحيى ، علي عوض ، أنصار عوض ، موسى ياسين ، حسن ياسين ، عيد ياسين ، أحمد مفرح ، معمر أحمد ، عبد الكريم نوح ، سالم عبد الله ، محمد خليل ، عمير خليل ، إسماعيل خليل .
وأشتهرت قالونية في تلك الفترة أيضاً بالقمح والشعير والزيتون وأشجار العنب وصنعت منه الدبس والزبيب وكثر فيها الماعز والنحل .
4ـ الوثيقة الرابعة : عام 1596م ـ 1597م
وهذه الوثيقة تظهر أن قرية قالونية عامرة بأهلها وهي تابعة للقدس الشريف وعدد عائلاتها (20) .
وأسماء أرباب عائلات قالونية هم :
علو بن علي ، حميد ولد محمد ، مبارك ولد بركات ، خطاب ولد علو ، عبد الله ، عبد الكريم ولد عبد الله ، مفرح ولد ديب ، عرفات ولد شهاب ، علي ولد غليظ ، موسى ولد مذكور (علي) ، يحيى ولد مذكور (موسى) ، أحمد ولد عيسى ، عوض ولد علي ، محمد ولد أبو ناصر ، عثمان ، نصار ولد ماضي ، علي ولد عوض ، محمد ولد علي ، شاكر ولد علي ، موسى ولد حسن .
والشيئ الملفت في هذه الوثيقة أن قرية قالونية كثر فيها أشجار الزيتون حيث أن القرية دفعت (200) جرة زيت ضريبة ، معنى ذلك أن انتاج القرية من الزيتون كان كثيراً ، وكانت الضريبة على المنتوجات الزراعية (6200) أقجة .
وأخيراً
أهالي قالونية الأعزاء
الماضي منارة للحاضر كما ينير الحاضر للمستقبل إن شاء الله ومن لا يعتبر بالماضي فلا حاضر له ولا مستقبل .
وعند النكبة 1948م كان عدد الشعب الفلسطيني مليون ونصف واليوم زاد إلى أكثر من (12) مليون نصفهم فوق أرضهم فلسطين الضفة وغزة والداخل .
الشعوب تبقى حية والظلم عمره قصير والحق هو الذي سينتصر مهما تكالبت عليه قوى الشر وما ضاع حق ووراءه مطالب .
قال تعالى : {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ}{وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون }{فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ } (6-8) سورة الزخرف