من قرى النكبة المهجرة
كويكات أحدى قرى عكا
إعداد الباحث عباس نمر
عضو اتحاد المؤرخين العرب
إلتقينا أخوة لنا من أبناء قرية كويكات قضاء عكا ومن آل سنونو في صالون للحلاقة في أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات العربية وذلك يوم 9/2/2015م وكان يرافقني أنجالي محمد ونمر وما أن علم أبناء كويكات أن هذا اللقاء تحول للحديث عن قريتهم حتى انفجرت أسارير وجوههم بالفرحة على الرغم من أنهم من مواليد ما بعد النكبة بل وما بعد النكسة 1967م ودار النقاش حيث أنهم سروا لأنني عرفت أشياء عن قريتهم وقلت لهم قبل حوالي ثمانية سنين زودني الدكتور غسان محيبش بكتاب عن قريتهم لأعرضه في صحيفة القدس لكن الكتاب فقد وها أنا ألقاكم وبإذن الله سنكتب شيئاً عن قريتكم والتقيت أيضاً في عمان أسرة من آل يحيى وعدد من أبناء كويكات.
واليوم في هذه الحلقة المتواضعة تحدثكم كويكات عن نفسها صانعة مما قطفناه من أهلها ومن وثائق عثمانية وبريطانية وفلسطينية بالإضافة إلى الموسوعات والمجلدات خصوصاً موسوعة بلادنا فلسطين للمرحوم مصطفى مراد الدباغ ومجلد كي لا ننسى للدكتور وليد الخالدي ومجلدات الدكتور سلمان أبو ستة حيث قطفنا من الجميع تاريخاً موجزاً عن قرية كويكات ولا شيئ أخطر على الإنسان من أن يكون جاهلاً بالتاريخ ونحن أبناء هذا الوطن .
الموقع
( كويكات ) هي أحدى القرى الفلسطينية المدمرة والواقعة في الجزء الشرقي من سهل عكا وهي أحدى قرى قضاء عكا في لواء الجليل الأعلى وتبعد عن مدينة عكا تسعة كيلو مترات وهي الى الشمال منها مع انحراف قليل إلى الشرق وتبعد أيضاً حوالي سبعة كيلومترات عن البحر الأبيض المتوسط وترتفع عن سطح البحر حوالي (50) متراً وكانت تربطها بطريق عكا ـ صفد طرق فرعية ولها دروب مع القرى المجاورة .
قرى وعشائر قضاء عكا
في فترة الانتداب البريطاني
في فترة الانتداب البريطاني وحتى عام النكبة 1948م كان قضاء عكا يتألف من مدينة عكا و(52) قرية و(8) عشائر و(9) مستعمرات يهودية والقرى هي :
أبو سنان ، عمقا ، عرابة ، البصة ، بيت جن ، عبن الأسد ، البعنة ، البروة ، البقيعة ، الدامون ، دير الأسد ، دير حنا ، فسوطة ، دير القاسي ، المنصورة ، الغابسية ، الشيخ داود ، الشيخ دنون ، إقرت ، جت ، جديدة ، جولس ، كابول ، كفر عنان ، كفر سميع ، كفر ياسيف ، كسرى ، كويكات ، مجد الكروم ، المكر ، المنشية ، المزرعة ، معار ، معليا ، نحف ، النهر ، الرامة ، الرويس ، سجور ، سخنين ، شعب ، سحماتا ، السومرية ، تمرة ، تربيخا ، ترشيحا ، الكابري ، أم الفرج ، يانوح ، الزيب ، المنوات ، يركا ، ومما هو جدير بالذكر أن قرى (تربيخا) و(إقرت) و(المنصورة) لبنانية ألحقت بفلسطين عام 1923م .
والعشائر هي : العرامشة والقليطات والحجيرات والمريسات والطوقية والسمنية والسواعد والصويطات وشتيت وكان يوجد عدد قليل من العشائر الصغيرة في قضاء عكا .
التسمية
تقول الرواية الشفوية أن هذا الاسم (كويكات) هو الاسم الموروث عن الآباء والأجداد ، وجاء في الوثائق العثمانية مثل الدفاترا لمفصلة أن كويكات هو الاسم نفسه منذ منتصف القرن السادس عشر الميلادي أما في فترة الحروب الصليبية كان يطلق عليها اسم (Coket) .
المساحة والحدود
بلغت مساحة أراضي قرية كويكات (4723) دونماً وجميعها ملك لأهلها ولا يملك اليهود فيها شبراً واحداً ، ويحدها من الشمال والشمال الشرقي قرية عمقا والغرب والغرب الشمالي قرية الشيخ دنون ومن الغرب الجنوبي والجنوب قرية أبو سنان .
عدد السكان والبيوت المعمورة
على الرغم منى قلة المصادر والبحث المتواصل في الملفات والوثائق العثمانية القديمة حول عدد السكان والبيوت المعمورة لكننا لم نتوصل إلى شيء يشفي الغليل لكن كنا وجدنا وثيقة مهمة في منتصف القرن السادس عشر الميلادي والتي سنتحدث عنها لاحقاً تفيد أن عدد البيوت المعمورة هي (14) بيت واتفق المؤرخون والباحثون أن معدل عدد سكان البيت المعمور من خمسة أنفار إلى سبعة أي أن عددهم أقل من (100) نسمة وفي نهاية العهد العثماني قدر عدد السكان (300) نسمة وفي عام 1922م اثناء الإحتلال البريطاني وصل عددهم إلى (604) نسمات وفي أثناء الإنتداب البريطاني عام 1931م وصلوا إلى (789) نسمة منهم (408) ذكور و(381) أنثى ولهم (163) بيت معمور ، أما في عام النكبة 1948م فكان عددهم قد وصل إلى (1218) نسمة ولهم (251) بيت معمور ، ووفق التقديرات لعدد اللاجئين من أهالي كويكات عام 1998م كانوا (7480) نسمة أما أسماء المسجلون في وكالة الغوث أيضاً في عام 1998م كانوا (5938) نسمة واللاجئون المسجلون من قرية كويكات عام 2008م (7612) نسمة ومجموع أهالي كويكات من نفس السنة 2008م حسب التقدير هم (10113) نسمة .
الحمايل والعائلات
هذه الحمائل والعائلات التي استطعنا جمعها ونأمل أننا وفقنا بذلك وهو : سنونو ، يحيى ، حسن (العلي) ، الغضبان ، أبو قاسم ، عجمي (ايراني) ، شحادة ، نصار ، أبو قاسم ، اليتيم ، الجشي ، برقجي ، الحيش ، درويش ، الخطيب ، اليمني ، ذياب ، عطعوط ، صنوبر ، عبد اللطيف ، عوض ، قاسم نصري ، المصالحة ، الهابط ، عبد الرازق ، السعيد ، الشولي ، عرعور ، عمقاوي ، حمادة ، مغرة ، كرم ، اسماعيل.
مخاتير القرية
كان في الغالب في قرية كويكات مختاران مختار أول ومختار ثان ووظيفة المختار استحدثت في نهاية الدولة العثمانية وكان المختار ينتخب من قبل أهالي القرية أو بموافقة الحمايل وكان مختاري القرية قبل النكبة كل من :
1ـ سليم الغضبان .
2ـ خليل إبراهيم العلي .
المضافة أو الديوان
كان للقرية قديما ديوان واحد بكل حمايل وعائلات القرية وكان مقره المسجد أو غرفة صغيرة بجانب المسجد وهو المكان الذي يجتمع فيه رجالات القرية والديوان هو أيضاً لاستقبال الضيوف وابن السبيل وفي فترة الانتداب البريطاني كثرت وكبرت حمائل وعائلات القرية فأصبح لكل حامولة مضافة وبيت المختار مضافة وكان في كويكات قبل النكبة حوالي سبعة مضافات .
المسجد
بني مسجد في كويكات نهاية العهد العثماني في حوالي 1888م وكان صغير الحجم لكن في عام 1932م بني في القرية مسجد حديث مبني من الحجارة ولم يكن له مئذنة ومساحته أكثر من (200) متر ومفروش بالحصر وله ساحة خارج المسجد وفيه كل المرافق الخاصة بالمسجد وكان امام المسجد الشيخ محمد عبد الهادي ودمر المسجد بعد النكبة .
المقامات والمقبرة
قبل الحديث عن المقامات والمقبرة أقول لقد وقع بين يدي (موسوعة المقدسات في فلسطين) اعداد الإستاذ الدكتور ابراهيم أبو اعمر والاستاذ الدكتور صلاح الهودلية والدكتور جوني منصور وهذه الموسوعة من إصدار مؤسسة الأقصى للوقف والتراث ، ومن هنا أشكرهم على عملهم الصادق لأن منطقة شمال فلسطين بحاجة لهذا العمل القيم حيث قدموا جهدهم بكل اخلاص وبدون كلل ولا ملل وهذه الموسوعة كانت لقضاء عكا وصفد وبيسان والناصرة وحيفا وطبريا وجنين وبما أننا نتحدث عن قرية كويكات قضاء عكا إرتأيت أن أذكر شيئ مما ذكر عن معالم القرية وخصوصاً المقام والمقبرة .
1ـ مقام الشيخ محمد القرشي وهو عبارة عن بناء قديم مستطيل تبلغ مساحته (18) متراً يتوسطها صاحب المقام ، ولم يبقى من المقام سوى الأجزاء السفلية إضافة إلى الضريح نفسه 0.
2ـ المقبرة الإسلامية : تقع المقبرة في جذر القرية وبلغت مساحتها ثلاث دونمات ولا تزال المقبرة ظاهرة للعيان والمقبرة اليوم محاطة بسياج من جميع الجهات وبين الحين والآخر يتم صيانتها والحفاظ عليها من قبل مؤسسة الأقصى .
المدرسة وصف الكتاب
قبل افتتاح المدرسة في القرية كان الأهالي يذهبون بأبنائهم إلى شيخ القرية من أجل العلم وكثير من كبار السن في كويكات يلمون بالقراءة والكتابة وأفتتحت المدرسة عام 1935م وفيها حتى الصف الرابع ومن يريد التعليم العالي يذهب إلى قرية كفر ياسيف لقربها من القرية وبها حتى الصف السابع ثم ينطلق إلى مدينة عكا لينهل العلم من مدارسها وللمدرسة ملعب وساحة واسعة مزروعة وكثير من أراضي المدرسة مشجرة ولها بستان ومن مدرسي المدرسة :
1ـ الاستاذ محمد سمارة .
2ـ الاستاذ نجيب الخضر .
3ـ الاستاذ محمد جوهر .
4ـ وكان أول مدرس للمدرسة الاستاذ رفعت نيازي.
الحياة الإقتصادية
أعتمد أهالي كويكات في حياتهم الإقتصادية على الزراعة بالدرجة الأولى ثم على تربية المواشي والأبقار ، وكان أهالي القرية يعتمدون على الزراعة الصيفية والشتوية بالإضافة إلى بعض المقاثي ، فمن محاصيلها الشتوية القمح والشعير والقطاني وأما المحاصيل الصيفية فأهمها الذرة البيضاء وأهتم أهلها بزراعة المقاثي البعلية مثل البندورة والبامية والخيار والبصل والبطيخ والشمام والفقوس وبالرغم من قلة العيون لري الأراضي إلا أن كمية الأمطار التي كانت تهطل سنوياً كانت تكفي المزارع وكانت الأرض منتجة وأهل القرية متعاونين وكان في القرية بيارة للحمضيات وفي القرية كثير من كروم التين والعنب والزيتون والتفاح واللوزيات ... إلخ .
الثروة الحيوانية
إلى جانب اعتماد أهالي كويكات على الثروة الزراعة اعتمدوا على الثروة الحيوانية في تيسير أمورهم حياتهم اليومية ، حيث كان لكل بيت من بيوت كويكات نصيب من هذه الحيوانات الداجنة خصوصاً الأبقار والمواشي والجمال والبغال والخيل والحمير ، وكانت تستعمل الأبقار والبغال للحراثة أما الطيور فكل بيوت القرية كانت تهتم بتربية الدجاج والحمام .
سوق القرية
على الرغم من صغر القرية إلا أنها عامرة بسوقها ففيها عدد من الدكاكين الصغيرة ومقاهي عدد (2) وملحمتين وأكثر من حلاق وفيها أفران رغم وجود الطوابين وبائعي الأقمشة يأتون إليها من لبنان ويوجد في القرية خياطين وخياطات .
كويكات في منتصف القرن
السادس عشر الميلادي
إرتأيت أن أقدم في هذه الحلقة إحدى الوثائق العثمانية الهامة هدية لأهالي قرية كويكات :
الوثيقة وهي من مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية في أبوديس والتابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية وهي من الدفتر المفصل لصفد وعكا وكان تاريخها 1556م وجاء في الوثيقة :
كويكات قرية تتبع عكا وفيها (14) خانة والخانة هي البيت المعمور ، وأرباب الأسر الدافعة لضريبة الزراعة هم : إبراهيم أبو عب ، أبو بكر بن ابراهيم ، جمعة بن سليم ، محمد أخو المذكور ، موسى بن الهوش ، ابراهيم بن أبو غازي ، علي بن أبو عالي ، عودة بن صالح ، بركة بن معالي ، خليل بن اسماعيل ، أحمد بن فياض ، أحمد بن دقماق ، محمد بن دحلوس ، معالي بن علي ، سرنا أطرش ، محمد أطرش ، .
وكانت قرية كويكات تدفع ضريبة الزراعة على الحنطة والشعير والقطن واشتهرت كويكات بتربية الماعز ، حيث قام بقراءة الوثيقة العثمانية إلى اللغة العربية الخبير في قراءة الخطوط الاستاذ محمد الصفدي عميد مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية .
احتلال القرية وتهجير سكانها
إن اليهود مع بداية عام 1948م قاموا بأكثر من هجوم على قرية كويكات وأكثرها شدة أيام 18و19/1/1948م لكن باء بالفشل وبعد هذا الهجوم وهذه المعركة بدأ أهالي كويكات بشراء السلاح والذخيرة بكل الأثمان ومعظمهم باعوا القمح والشعير والبعض باع الأغنام والأبقار وآخرون باعوا ذهب نسائهم ، وأشتروا البنادق والذخيرة حتى أصبح لكل عائلة أو كل حوش فيه من يدافع عن منطقته وطبعاً كان هذا السلاح من أجل الصمود وفعلاً صمد أهالي كويكات ، وكان أهالي كويكات شديدوا التعلق بأرضهم التي كانت تعطيهم دون حدود ، لذا لم يبخلوا بالتضحية بالدفاع عنها بكل أمكانياتهم التي بين أيديهم واستمر أهالي القرية صامدين وعندهم فصيل كامل من أهالي القرية يحارب عنها ، لكن بعد خروج جيش الانتداب البريطاني ظهرت الدبابات والمدافع حتى الطائرات مع القوات الاسرائيلية وحدث هجوم كبير على كويكات في 11/6/1948م قبل أن تبدأ الهدنة الأولى وصد أبناء القرية الهجوم ويقول المؤرخ الإسرائيلي بني موريس أن وحدات الجيش الإسرائيلي التابعة للواءي شيفع السابع وكرملي ويستشهد أيضاً موريس بقائد سرية من الكتيبة (21) شارك في الهجوم على قرية كويكات أن سريته قامت بقصف القرية بالمدافع والرشاشات الذي سبق احتلالها وصمد أهالي كويكات حتى آخر رصاصة معهم ماذا تفعل البنادق أمام المدافع والرشاشات لقد تم تدمير عدد من المنازل واستشهاد عدد من اهالي القرية وإصابة آخرون ، مما أدى إلى نزوح أهالي القرية إلى القرى المجاورة ثم نزحت هذه القرى إلى جنوب لبنان في حسرة ولوعة تاركين أعز ما يملكون الأرض وذلك بتاريخ 10/تموز/1948م تائهين في العراء لا حول لهم ولا قوة يفترشون الأرض ويلتحفون السماء إنها نكبة .
القرية اليوم
موقع قرية كويكات مغطى بنبات الصبر وبقايا اشجار من تين ولوز وزيتون وثمة بقايا بعض ما تبقى من بيوت القرية أما المقبرة فهي ظاهرة ومسيجة ، وتظهر القبور وشواهدها واضحة وكذلك مقام الشيخ القرشي وما زال قائماً وقد زرعت في أماكن كثيرة أشجار حرجية أهمها غابة الصنوبر والكينا .
أهالي القرية اليوم
بعد ما حل بأهالي كويكات وما أصابهم من ظلم وبطش وتطهير عرقي اصبحوا هائمين غارقين في الحيرة وأصبحوا موزعين في مخيمات لبنان وسوريا واليوم هم موزعون في الدول العربية والاوروبية والأمريكيتين وأفريقيا واستراليا من أجل لقمة العيش وعلى أمل العودة إلى قريتهم الحبيبة كويكات .
وأخيراً
إن ما قدمناه في هذه الحلقة الصغيرة والمتواضعة ما هو إلا القليل القليل مما يمكن أن نسهب به من القول حول هذه القرية العميقة الجذور وذات التاريخ العريق ، وشكري لأسرة مؤسسة إحياء التراث في أبوديس التي دائما تزودنا بالوثائق القيمة ولا تبخل على أحد والشكر موصول إلى كل من اسرة مكتبة بلدية البيرة العامة ومكتبة القطان الذين ساعدونا في البحث المتواصل وتقديم كل العون وخصوصاً الموسوعات الفلسطينية .