من إصدارات عمادة البحث العلمي في جامعة القدس المفتوحة:
الكتاب الأرشيفي «سجل محكمة القدس الشرعية رقم -155- 1086 ه 1657 م » للدكتور إبراهيم ربايعة
ولكم كنت سعيداً في مهرجان جامعة القدس المفتوحة عندما افتتحت عمادة البحث العلمي ودائرة العلاقات العامة في الجامعة الأسبوع الماضي حفل اطلاق خمسة عشر مؤلفاً أدبياً وعلمياً برعاية رئيس مجلس أمناء الجامعة المهندس عدنان سمارة ورئيس الجامعة الاستاذ الدكتور يونس عمرو وأكد رئيس مجلس الأمناء المهندس سمارة أن للجامعة رسائل ومنها المتعلقة بالتأليف والكتابة والنشر والأبحاث مشيراً إلى أن مستوى الشعوب يقاس بما ينتج ويقرأ داعياً الجامعة إلى مواصلة جهودها في نشر مؤلفاتها وإرسالها للجهات المختصة ، ومن جانبه دعا رئيس الجامعة الاستاذ الدكتور يونس عمرو الباحثين الى التعمق في البحث والإبداع ، مبيناً أن المبدع هو صاحب الروح الشفافة عالية الاحساس مؤكداً أن البحث العلمي والإبداع والإنتاج الثقافي سيصنع مجداً لهذا الشعب .
وأكد عميد البحث العلمي في الجامعة الاستاذ الدكتور حسن السلوادي أن هذه المؤلفات خضعت للتحكيم العلمي هذا وقد تنوعت موضوعاتها لتسهم في خدمة قطاعات المجتمع الفلسطيني من جوانبه كافة .وفي إطار احتفالية المهرجان وضمن الفعاليات كان حفل توزيع هدية الجامعة دروعا للمؤلفين تقديراً لجهودهم البحثية المميزة . وكان من ضمن المؤرخين الذين كرمتهم الجامعة الدكتور إبراهيم حسني صادق ربايعة على كتابه الأرشيفي القيم : )سجل محكمة القدس الشرعية رقم - 155 - 1086 ه - 1658 م( وهذا الكتاب الأرشيفي شاهد حي على تاريخ ولاية القدس في احدى سنوات القرن السابع عشر الميلادي وتكمن أهمية هذا الإصدار كونه مصدراً تاريخياً لا يستغنى عنه لأن سجلات المحكمة الشرعية في القدس في الفترة العثمانية في غياب الأرشيفات الرسمية هي الوسيلة الملائمة في قراءة التاريخ عن تلك الفترة ولا يمكن الاستغناء عنها أو تجاوزها .وفي الوقت الذي يملأ الاعجاب نفوسنا بهذا الكتاب الأرشيفي فإننا نفيض إكباراً واحتراماً لمؤرخنا القدير ربايعة الذي عشق قراءة الوثائق وسجلات المحكمة الشرعية في القدس وانفق عليها من جهده ووقته بسخاء ، لذلك أتمنى كل النجاح والاستمرارية لكل من خط واهتم وج د في العطاء من اجل هذا الوطن. هذا وقد جاء الكتاب في 234 ( صفحة من القطع المتوسط )العادي( وبغلاف جميل وبدأ بالتقديم ثم المقدمة وبعدها جاءت مادة الكتاب والمتضمنة الفهرس التحليلي لمحتوى الحجج والوثائق من سجل محكمة القدس الشرعية رقم ) 155 ( من شهر تشرين أول من عام 1657 م إلى شهر آب لعام 1658 م وبعد ذلك فهرس الأماكن والطوائف والمصطلحات والوظائف والمزروعات وأختتم الكتاب بملحق الوثيقة من السجل أما التقديم فكان من قبل الدكتور حسن السلوادي عميد البحث العلمي والدراسات العليا في جامعة القدس المفتوحة وللأهمية ارتأيت أن أضعه كاملاً ومما جاء فيه .
تقديم
يصدر هذا السجل المفهرس الذي أعده الأخ الدكتور إبراهيم ربايعة في وقت تتعرض فيه القدس الشريف ، مدينة الأنبياء وبوابة الأرض إلى السماء لتصعيد خطير من طرف الإحتلال الاسرائييل ضمن محاولاته الدائبة لتهويدها وطمس أثارها وشواهدها العمرانية ورموز حضارتها الدالة على أرومتها العربية والإسلامية واستهداف مقدساتها الإسلامية والمسيحية التي تشكل عنوان هويتها وجوهر حضارتها الضاربة جذورها في أعمق أعماق التاريخ . فبعد الفشل الذريع الذي واجهه علماء الآثار الإسرائيليون منذ وقعت المدينة تحت وطأة احتلالهم عام 1967 م وفشل من سبقهم من علماء المدارس الأثرية الغربية في العثور على مقابل مادي واحد لما ورد في الكتاب المقدس ، لجأت السلطات الإسرائيلية ضمن خطة ممنهجة ، وصمت مريب من ادعياء الحفاظ على التراث الإنساني لتدمير الآثار والمعالم العمرانية العربية والإسلامية في محاولة يائسة لتغييب الحقائق المادية والمعنوية الساطعة المعبرة عن هوية المدينة وعروبتها وسمات حضارتها العريقة التي تواصل مددها ، واستمر عطاؤها منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا وسعت جاهدة لإحلال مفردات تاريخ متوهم مزعوم ، وأخيلة وأراجيف يحوطها ستار كثيف من الغموض والخداع والتضليل الذي جذب اليها أرباب المصالح والأهواء الذاتية الذين تبنوا اطروحاتها بمنطق تسوده احادية النظرة ومجافاة الحقيقة الساطعة التي تتألق شواهدها على أرض الواقع حية نابضة وشاهدة على هوية مدينتنا الخالدة وحقيقة انتمائها التاريخي والحضاري ماضياً وحاضراً ومستقبلاً . وإزاء هذه الهجمة التي طالت الشجر والحجر والإنسان والمقدسات والتي تستدعي وقفة جادة ومسؤولة وجهداً موصولاً من العالمين العربي والإسلامي لإيقافها والحيلولة دون تحقيق أهدافها ومآربها تتجلى قيمة مثل هذه الأعمال التوثيقية التي تجيل الحقائق التاريخية وتبرزها سنداً وشاهداً ودليلاً نقيضاً للمزاعم والترهات والأساطير التي تفرض غصباً وإكراهاً وتغرس بالخديعة والإحتيال في الوعي الإنساني باعتبارها حقائق مسلمة لا يشوبها دخل أو تحريف .
ومن بين الوثائق والمصادر الأرشيفية التي يعتد بها الباحثون والمؤرخون المهتمون بتاريخ المدينة وحضارتها سجلات المحكمة الشرعية في فترة الحكم العثماني ، لما تتضمنه من معلومات فريدة ، واحداث موثقة قل نظيرها عن حياة أهل بيت المقدس ونواحيها في المجالات السياسية والأجتماعية والثقافية والتي هي في أمس الحاجة إلى من ينفض عنها غبار النسيان ، ويعمل على فهرستها وتحليلها بصورة تفسح المجال أمام الباحثين لإفادة منها ، وتوظيف مضامينها الثرية ومعلوماتها القيمة باعتبارها من أقدم المصادر الأرشيفية في العصر العثماني التي تؤرخ لأوضاع المدينة المقدسة وجوارها على إختلافها وتنوعها . وقد أحسن الدكتور ربايعة صنعاً حين كرس شطراً كبيراً من وقته وجهده لفهرسة محتويات هذا السجل وغيره من سجلات فهرسة تحليلية جامعة ، تنقل القارئ إلى أجواء المدينة المقدسة في تلك الفترة المهمة من تاريخها الحافل بالجليل من الأعمال والأحداث ، فيحياها ويتفاعل معها ، وكأنه واحد من معاصريها وشاهد حي على أحداثها وطبيعة العلاقات الودية المتسامحة بين أبنائها على إختلاف اعراقهم ومذاهبهم وأديانهم .
ويحدوني الأمل كما يحدو غيري من الباحثين المهتمين بماضي مدينتنا الخالدة وحاضرها ومستقبلها أن يواصل الدكتور ربايعة جهوده الرائدة في هذا السبيل وأن تتضافر جهوده مع جهود غيره من الباحثين والمهتمين لإطلاق عمل جمعي منظم هدفه توثيق كل بقعة من بقاع هذه المدينة الطاهرة ، وكل معلم من معالمها ، أو أثر من أثارها أو رمز من رموز حضارتها المادية والمعنوية ، ولا سيما في هذه الأوقات العصيبة التي تتعرض فيها يوماً بعد يوم ، بل ساعة بعد ساعة للتغيير والتزييف والطمس المصادرة وتلك في رأيي خطوة في غاية الأهمية في مسيرة نضالنا لتحرير مدينتنا الحبيبة من ربقة الاحتلال.
مقدمة البحث
عُنيت الدول على مدار تاريخها الطويل في اقتناء ارشيفات لها تحفظ تاريخها وتسجل انجازاتها العسكرية والسياسية والاجتماعية، حتى أصبحت هذه الارشيفات احدى وسائل قياس تطور تلك الدول في السلم الحضاري، فقد حرصت الدولة العثمانية ومنذ نشأتها الأولى على إيجاد إرشيف لها يحفظ كل ما تبغي حفظه من معلومات في مختلف القطاعات، الإدارية والاجتماعية والاقتصادية، ويبدو أنها استمدت ذلك من إيحاءات دينية راسخة، حيث أشار القرآن الكريم إلى أهمية الكتابة في حفظ الحقوق، وكذلك هدي النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- فيما يتعلق بإبرام الوقائع وعقد البيوع، حتى تكون شاهدا حيا وبرهانا بينا لما يستجد من مواقف وأحداث، ومنهجها في ذلك: إذا كنت ناقلا فالصحة وإذا كنت مدعيا فالدليل.
ومن بين هذه الأرشيفات –إضافة لأرشيف الباب العالي- كانت أرشيفات سجلات المحاكم الشرعية في ولاية الدولة العثمانية، فكانت كتابا موسوعياً للولاية من جهة ومصدرا ثانيا للمعلومات بعد أرشيف الاستانه من جهة أخرى. إن المتفحص لفحوى هذه السجلات يجد أنها تعكس بوثائقها الأوضاع العامة في الولايات العثمانية آن ذاك، إذ أن المحكمة الشرعية لم يقتصر عملها في ذلك الوقت على قضايا الأحوال الشخصية فحسب بل كانت سجلا جامعا شاملا للأحوال الإدارية والأمنية والدينية والاقتصادية على طول أربعة قرون خلت، ومنها سجلات دمشق والقدس الشريف وحلب...إلخ. إن هذا الحال جعل منها مصدرا غنيا بالمعلومات لتلك الحقب التاريخية، إذ تكشف الوثائق عن جغرافية تراثية متكاملة وتنوع ثقافي في جزئياته وموحد في عمومياته. وقد تصدى لها الباحثون بما لديهم من إمكانات متاحة بغية كشف اللثام عن هذا الأرشيف الضخم، لكن ما درس لم يصل إلى المستوى المأمول، وهذا باعتقادي لا يرجع إلى تقصيرٍ من الباحثين فحسب بقدر ما يتعلق بواقع الحال من حيث إمكانية الوصول لهذه السجلات أو التعامل معها، فما زالت الجهود بهذا الخصوص متواضعة.
تاريخ السجلات
تعدّ سجلات محكمة القدس الشرعية العثمانية أقدم هذه السجلات على الإطلاق، فبعد أن أخذ السلطان سليم القدس الشريف، حباها بعناية ملحوظة، وكذلك الحال بالنسبة للسلطان سليمان القانوني، عناية لم تلقَها إلا من قادة عظام كعمر بن الخطاب وصلاح الدين الايوبي، فإن مكانتها الدينية حتمت عليهم ذلك، ومن هذه الأعمال أرشفة سجلات المحكمة الشرعية، إذ يرجع تاريخ أول سجل محفوظ إلى 14 شوال 936 ه / 11 حزيران 1530 م، لتكون بذلك أول إمارة عثمانية تحفظ سجلاتها بعد العاصمة اسطنبول، وكان قبل ذلك يأخذ كل قاض سجله حال انتهاء وظيفته في القضاء. أما كتاب سجل القدس ) 155 ( - موضع هذه الحلقة- فهو يتناول فهرسة تحليلية لسجل محكمة القدس الشرعية رقم ) 155 (والذي يعود إلى ) 1068 ه / - 1658 م(، وقد جاء هذا العمل لنفض غبار النسيان عن واحد من هذه السجلات، وجعلها في متناول الجميع، ولتذليل العقبات التي كانت تحول بينها وبين الراغبين في الإفادة من معلوماتها في مختلف القضايا والمجالات الحياتية التي تصف واقع الحال في القدس ونواحيها.
سجل رقم 155 مكمل لسجل 152
يُعد هذا العمل - والمتمثل بفهرسة تحليلية لسجل القدس ) 155 ( - استكمالاً لما جاء في سجل ) 152 ( - الذي نشرته سابقا- من حيث تسجيل القضايا والدعاوي ومختلف المعاملات اليومية للسكان في القدس ونواحيها، فنلحظ أن كلا السجلين يكملان بعضهما بعضاً، فسجل 155 يبدأ من حيث انتهى السجل الآخر، وقد يسأل سائل، أين سجل ) 153 ( وسجل ) 154 (؟ الجواب: إن السجلين عبارة عن أوامر سلطانية باللغة التركية. ففي الوقت الذي لا ننكر أهمية هذين السجلين، آثرنا أن نتناول هذا السجل ) 155 ( كونه استمرارا لما انتهى به سجل ) 152 (، واصفاً مجمل المجالات الحياتية الاجتماعية والاقتصادية والدينية والإدارية في القدس الشريف ونواحيها.
الدراسة العلمية للسجل
فإذا أردنا أن نتحدث بشكلٍ مختصرٍ عن محتوى هذا السجل، وجدنا أنه بحاجة لدراسة علمية وافية لما يحويه من معلومات ذات أهمية عظيمة، ومن ذلك، تشخيص النظام الإداري في القدس في- ضوء هذا السجل- عبر تتبع سير عمل هذا النظام وشخ وصه، فنجد الحُكم المدني)حاكم العرف( المتمثل بحاكم القدس المعروف بالأمير أو الباشا، واللافت في هذه الفترة أن القدس أديرت بوساطة متسلم، وهو الذي يتسلم المدينة قبل قدوم الباشا، وقد تناوب على متسلمية القدس خلال الفترة التي تناولها السجل اثنان: الأول: محمد آغا كان وكّله سن باشا حاكم القدس الجديد -الذي لم يصل إلى القدس- من وكيل الحاكم السابق إبراهيم بك بن أحمد باشا بن رضوان حاكم غزة. والمتسلم الثاني: حسن آغا. كما يمكن التعرف إلى المهام التي يقوم بها هذا الحاكم من حيث الحقوق والواجبات، ولا يفوتنا أن نذكر نوابّه الذين يقومون بتنفيذ الأوامر، ومتابعة القضايا في المحكمة الشرعية، ويتجلى الإنجاز الأمني للمتسلم حسن آغا عندما استطاع أن يخمد العصيان المدني بين طوائف الخليل، لكن حكم هذا المتسلم لم يخلُ من القسوة والشدة والظلم على السكان والرعايا، لا سيما في الأرياف، حيث أشارت الوثائق إلى أن حالة من العصيان عمت المنطقة، مما دفع القاضي إلى أن يعقد مجلساً عاماً في المحكمة، لدراسة ما آلت إليه الأمور في الناحية، بسبب ممارسات الحاكم الخاطئة بحق السكان.
قاضي القدس الشرعي أعلى سلطة قضائية
والقسم الثاني من الدائرة الإداري يتمثل بقاضي القدس، وهو أعلى سلطة قضائية في القدس ونواحيها، فقد كان ينظر في مختلف القضايا بما فيها القضايا التي تعرض أمام الحاكم المدني، فمثلاً، إنَّ النظر في حادثة قتل أو تفتيش دكان أو منزل يتوجب على حاكم القدس أو من ينوب عنه أن يتوجه إلى المحكمة الشرعية لطلب استصدار أمر للتفتيش، ويبعث القاضي من طرفه من يشرف على تنفيذ الأمر، فهذه القضايا وغيرها كثير وردت في ثنايا السجل يمكن من خلالها أن ترسم هيكلاً إداري اً للمدينة، وتسلسل المهام في أجهزتها الإدارية، كما أن الوثائق أظهرت قضايا أبعد من ذلك، قد تصل إلى درجة أن تتحدث عن تنبيهات إدارية موجهة إلى الحاكم المدني ونوابّه إذا ما تجاوزا الحدود القانونية. القدس تسودها روح التعاون والتسامح كما يمكن أن نتعرف من خلال السجل إلى ديمغرافية المدينة من حيث الفئات الاجتماعية وتوزيعها في المدينة ونواحيها )مسلمين ونصارى ويهود(، فقد ظهر من خلال السجل ) 155 ( أن المجتمع المقدسي بكل مكوناته مجتمع واحد يسوده روح التعاون والتسامح في أغلب الأوقات، فمارست كل طائفة شعائرها وعاداتها وفقاً لما هو مقرر لها في إطار النظام المعمول به دون أن يشكل ذلك أي حرج عند الطوائف الأخرى، كما أظهر هذا السجل قضايا ديون اليهود المتراكمة عليهم، التي اقترضوها من شرائح المجتمع المقدسي المختلفة، لدرجة أنّ بعض اليهود قد سجنوا، لأنهم لم يدفعوا ما يترتب عليهم من حقوق السكان.
العائلات ذات المكانة الدينية
كما أبرزت الوثائق دور العائلات، ذات المكانة الدينية والاجتماعية في الحياة المقدسية، كعائلة الحسيني، وعائلة أبي اللطف، والعلمي، الغضية، والسلطي، والديري الخالدي، والدجاني، والثوري، التي كانت تتولى أهم الوظائف وأرفعها سواءً داخل الحرم القدسي أم داخل المدينة. وكذلك أظهر السجل أمور الزواج والطلاق التي تعطينا وصفاً دقيقاً للعلاقات الأسرية ومستوى المعيشة، فالمهر الذي كان يعرف بالصداق، منه المرتفع ومنه المتوسط والقليل، وهذا يعود إلى إمكانات الفئة التي ينتمي إليها.
وضع المرأة المقدسية
وتبين الوثائق وضع المرأة المقدسية، والدور الذي قامت به، فكثير هي القضايا التي تصل للمحكمة التي تكون المرأة طرفاً بها، كالزواج والطلاق والبيع والشراء....وغيرها. من هنا تبرز أهمية هذا السجل وغيره من السجلات، بوصفه المصدر الوحيد الذي يمكن من خلاله التعرف إلى المرأة المقدسية في هذه الفترة، وقد أبرز هذا السجل امتلاك نساء التجار والأعيان المال والمجوهرات الثمينة، والأراضي والعقارات. كما يظهر في السجل الأحوال الصحية في القدس من خلال وجود العديد من المراكز الصحية، كالبيمارستان ) المستشفى( والحمامات، التي كان لها دور مهم في الحياة المقدسية، فقد وجدت قضايا تتعلق بتعمريها والإشراف عليها من أجل بقائها عامرة، كالمحافظة عليها ورعايتها من الخراب.
مؤسسة خاصكي سلطان
وقبل نهاية وصف الحياة الاجتماعية في ضوء سجل 155 ، علينا أن نذكر مؤسسة خاصكي سلطان، وهي مؤسسة خيرية أنشأتها خاصكي زوجة السلطان سليمان القانوني، وأوقفت عليها العشرات من العقارات والقرى والمزارع حتى تبقى عامرة، وقد آثرتُ التعليق عليها لما لها من أهمية كبرية في حياة المقدسيين، حيث كانت هذه المؤسسة تقدم الوجبات الغذائية اليومية الساخنة لعدد كبير من المقدسين من السكان والزائرين، كما يظهر في السجل أن المؤسسة كان لها مرافق أخرى منها: مدرسة وخان، ومسجد.
حضور الناحية الدينية
أما من الناحية الدينية فنجد أن لها حضوراً في سجل ) 155 ( لاسيما الحرم القدسي ) المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة ( فلم يترك السجل شاردة أو واردة عن الحَرَم إلا دونها، فهناك كُتب التعيين للعاملين فيه من الخطيب حتى الفّراش، كما قام السجل بتدوين مستحقات العاملين في الحرم من حيث مصادرها وأوجه انفاقها.
المدارس والزوايا والأربطة والوقف
أما المدارس فيمكن التعرف إلى عدد كبير منها من خلال سجل 155 ، فقد تناولت الوثائق قضايا لها علاقة بنظام عملها والقائمين عليها ووظائفها، وأعمال الترميم التي كانت لها ولأوقافها. ومن الأمور التي تندرج في الجانب الديني، الزوايا والأربطة، فأظهر السجل ) 155 ( الدور الذي قدمته هذه المؤسسات في خدمة أهل القدس والوافدين إليها، كما نتعرف إلى أسمائها وأماكن وجودها وأسماء القائمين عليها. أما الوقف فهو الأخر يأخذ جانباً رئيساً في هذا السجل لِما له من ارتباط عميق بالمؤسسات السابقة، وسبب زيادة عدد الوثائق التي تتناول قضايا الوقف يعود إلى أن مختلف القضايا من محاسبة أو تأجري لمال الوقف وغيرها، كانت تتم في محكمة الشرع، كون القاضي المشرف العام على الأوقاف، ومن جهة أخرى، عرّفنا السجل على الكثير من الأماكن الموقوفة في المدينة وخارجها، وحجم عائداتها وطريقة جمعها وسبل انفاقها.
ذكر الحياة الاقتصادية والاسواق والاوقاف
كما أشار السجل ) 155 ( إلى الوسائل التي اتبعها القائمون على الوقف من أجل تجنب اندثار الوقف وماله، ومن ذلك الاستدانة وهي قرض شرعي يستلمه المتولي ويصرفه على الوقف. والتأجري طويل المدى: وهو أن يسمح القاضي للمتولي على الوقف بتأجير ما هو جار في مال الوقف فترة طويلة، على أن يدفع المستأجر مبلغاً مقدماً بهدف تعمير الوقف. والشكل الآخر الذي ظهر في السجل حول تعمري الوقف الاستبدال وهو استبدال مال الوقف بمال آخر بهدف إحياء مال الوقف بمال جديد، وفق شروط يحددها القاضي. أما الجوانب الاقتصادية فلها ذكر واضح بين حنايا السجل ) 155 ( ، فذكر أنواع الملكية، منها الأراضي السلطانية المعروفة بالخاص السلطاني، كما نتعرف إلى نظام التيمار، وهي الأرض المقطوعة للعسكر السباهية في أرياف نواحي القدس، فنجد عدداً من القرى والمزارع التابعة للتيماري، وقد سجلت في هذه الفترة قضايا محاسبة ومقاطعة على القرى التيمارية، كذلك ظهر الخلاف على حدود الإقطاع لا سيما المناطق المشتركة بين التيمار والوقف والخاص السلطاني. وهناك ذكر الأرض الوقف التي تشكل مساحة واسعة من أرض القدس بأنواعه الخيري والذري. كذلك ظهرت أرض المُلك التي تشمل مساحة الأراضي التي تقام عليها منازل المدينة وملحقاتها مثل الحواكير، والأراضي التي تقام عليها المنازل بالإضافة للكروم والبساتين. كما ورد في السجل 155 ذكر لأسواق القدس والنشاطات الاقتصادية والحِرف التي يمثلها أصحاب الطوائف الحرفية والمهنية، فظهر الصُناع والحرفيون على شكل طائفة أو فئة تعمل في مجال عمل معين، وعلى رأس كل طائفة شيخ يعرف بشيخ الطائفة، ومهمته تنظيم عمل الطائفة فيما بينها، وتمثيل الطائفة أمام الحكام، وكثيرة هي الوثائق التي تتناول تنبيها على شيوخ بعض الطوائف من أجل الالتزام بالقانون لا سيما في أمور البيع والشراء والأسعار.
النقود المستعملة
أما النقد المستعمل في هذه الفترة الذي ذكره السجل 155 ، فمنه الغرش الأسدي الهولندي الفضي، يليه القطعة المصرية الفضية، ومن ثم السلطاني الذهبي، والقطعة الشامية، والقطعة العثمانية )الآقجة(، وورد ذكر لنقد أجنبي هو الذهبي البندقي .
إعداد الباحث عباس نمر
عضو اتحاد المؤرخين العرب